
بقلم رحاب هاني خطار
ما أخافني شيئ في حياتي أكثر من البرق والرعد والرياح الهوجاء في ليالي الشتاء العاصفة.
كنتُ أُحرَم من النوم خوفاً أن تقتلع بيتي أو تُشقِق حيطانه.
أهرعُ إلى والدي جازعة،أختبأ في حضنه دون أن أنبس ببنت شفة، يُمرّر يدهُ بين خصلات شعري،يُقبّل جبيني ويقول لي مبتسماً:لا تقلقي يا حبيبتي لن يُقتلع البيت.كأنهُ يرى خوفي ويقرأهُ في عيناي(أظنه كان يخاف بصغره ايضاً من الليالي العاصفة)،ويضيف أن ركن المنزل مصنوع من الإسمنت والحديد المتجذّر في الأرض كجذور الأرز والسنديان ، لا شيئ يقوى على إقتلاعه.
عندما كبرتُ قليلاً ، زاد ميخائيل نعيمة على قلبي طمأنينة، حيث حفظتُ عن ظهر قلب قصيدة “بيتي و سِراجي”.فكلما أشتدّت العاصفة أقفُ خلف الشباك،أتحدّاها وأُردد:
“سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر
فأعصفي يا رياح وأنتحِب يا شجر”
مرّت الايام، كبرتُ و كبرتُ حتى باتت العواصف الجوية لا تخيفني.بل أصبحت من أجمل أيامي، أنعَمُ فيها بالكينونة،ألتحفُ ذاتي وأدفؤها.
أجد بها السبب الأفضل للعزلة عن عواصف مُستحدثة و متجددة مع زيادة عمري، نضجي و وعيي.
عواصف رعدها هدّام ، برقها حرّاق و رياحها تنحرُ الاعناق.
مرات و مرات،ألتصقتُ بأبي استنجد دفأهُ،بحثتُ في كتب ميشا عن قصيدة أو نص أو أي قول يكون لي كتعويذة جديدة أكسر فيها خوفي المُستجد.
كلّ ما وجدته أن عليّ المواجهة ، أن أبني لنفسي كوخاً صغيراً مقاوم للعواصف، مُجاور للحقيقة تلك التي تتلون بوعي العارف كما يتلوّن الماء بلون الزجاج.
نعم،
عرِفتُ،أقتنعتُ، صمّمتُ ، و صليتُ صلاة النجدة.
فأنجزتُ كوخاً لي لا يتعلق بالأرض، شبابيكه غير مغلقة عن الحقيقة ،تحملهُ بالونات طفولتي بألوانها البريئة .
تطفو بي الى السماء.
بعدما اضحى لا مكان لي على ارض وطني.
فأنا أُعاني الخذلان يا سادة.
خذلني وطني.
أكتفيتُ بكوخاً لا جذور له، بعد أن أقتنعت مرةً أخرى بقول ميخائيل نعيمة:” الوطن ليس أكثر من عادة،والبشر عبيد عاداتهم ولأنهم عبيد عاداتهم تراهم قسموا الأرض إلى مناطق صغيرة يدعونها أوطانهم.
أما أنا عتقتُ نفسي من العبودية،
إستوطنتُ السماء..

- أطول جملة في “البؤساء” للكاتب ڤيكتور هيجو - ديسمبر 23, 2025
- حوار مع الشاعرة رانيا مرعي - ديسمبر 23, 2025
- اللغة بين قلق الأكاديميين و هشاشة المستهلكين - ديسمبر 14, 2025
