بقلم رنا علم

‏أنا كرةٌ وحيدةٌ ليس لي ذريّة، لي أفراحٌ وأحزان.

كرةٌ صغيرةٌ غيّرتْ مجرى حياةِ اللاعبين في البلاد الغنيّةِ يدفعونَ من أجلها للاعبٍ الملايين، يتجمّعُ المشجّعون أمام الشاشات، ومع كل ركلةٍ تخفقُ قلوب المشاهدين.
مذاقُ المال يختلفُ عن مذاقِ الفقر ومضايقة بحرِ الموت. أمام المهاجرِ البحر وفيه يلقى حتفه، وأمام اللاعبِ المحترفِ مبالغ من الأموالِ تكفيه وذريّتهُ لأجيالٍ وأجيال، تُفتحُ له قصور الحكام الذين يعتبرونهم أبطال.

هل تستحقُ هذه الكرة الجميلة أن يكونَ لها كل هذا الألقِ والترويجِ والسهرِ والخلافاتِ والمشاحنات والمناكفاتِ والانقسامات والمليارات من الدولارات؟

إذا كانت الكرة متعةً للعينِ ولنظامٍ صحيٍّ جيد، فهل يجب أن تدفعَ من أجلها الدولُ الملايين والمليارات من الدولارات، ‏بدل أن تساعدَ الفقراءَ وتنجّي الغارقينَ في بحر الجوعِ الكافر والفقرِ المُدقِع وترفضُ استقبالهم وهم يغرقون في عرض المتوسط؟

ما زالَ في العالمِ أناسٌ يعيشون على أملِ لقمةٍ تروي عطشَ وجوع أفئدتهم، أما السلاطين والحكام فلا يفكرون إلّا برفعِ الكأسِ المذهّبةِ التي توضعُ في خزانةٍ زجاجية، تحميها من عيونِ البشر والأذيّة.

أحبُّ الكرةَ وأحبّ الرياضةَ بأنواعها، لكن إن كانت للتسليةِ وللحماسِ والربح الواقعي فأهلاً بها، أمّا إذا كانت لدفع الأموالِ الخيالية وتبذيرها دون مساعدة الفقراء، فتبّاً لها.

منازلُ اللاعبين تضاهي بجمالها قمم الجبال، وكل شي فيها سهل المنال.

وإن قبلتِ الأديانُ بذلك فأنا لا ولن أقبل.

الرياضةُ تعلمنا الروحَ الرياضية، ولكن يجب أن تكون من أجل خدمة الإنسان، لا الإنسان من أجلِ الكرة.

النجاح جميلٌ والنصرُ أيضا، لكنّ الأجمل من كل ذلك، هو أن تصنعَ لك مرتبةً عند الله في عملِ الخير!

يُنفِقون ما يشاؤون، أمّا الفقراء فينظرون لا درهم معهم ولا دينار ولا حتى فُتات من الدولار.

يا أبناء قومي، يا أهلي وأبناء وطني، تجنبوا البحرَ فأنا أخافُ عليكم منه. أعلم أن ليس للبعض من الطابة نصيب ولا من الرياضة حظّ ولا من النجاح أمل، تتقاذفهم الدول كالكرة لكن لا أحد يريدهم !

أمًا على ارض الملاعب فإذا نجحتْ ركلة واحدة، تباركَ الناس منها، وإن خطى اللاعب خطوةً، تحلّقوا حوله، وجلسوا عند عتبة الانتظار، وإذا حلّ ضيفاً صار عصفوراً تحت جناحهم يُظلّلونه بها.

أمّا الفقير فيموتُ في تابوتٍ خشبي أو في قعر المتوسطِ ولا ما يسألُ ولا من يعين‏. دمعاتُ اهلهم تتساقطُ فوق أنهارِ حياتهم الأبديةِ من الحزن، يوصِدون أبوابهم على أوجاعهم في الحياة.

الملاعب ساحاتٌ متلألئةٌ كالنهار، اما الفقراء فقناديلهم منارةٌ لهم،ويشتعِلُ في بيوتهم الجوع والعطش. يسيلُ الحزنُ على قلوبهم كما تسيلُ قطراتُ المطر ويُعشعشُ الظلام.

الكرةُ تنيرُ البصرَ في الملاعب، أما شعلةُ روح الفقراءِ، فمن ينيرُها ؟
الأحزانُ تتكدّسُ في إنتظارهم في طريقِ اللاعودة.

هي الكرةُ التي يجتمعُ حول الشاشة من أجلها الملايين، تدفع المحطاتُ الكثير من الدولارات لجذبِ المشاهدين والمعلنين.

بعض الشعوبِ ملاعبها منارةٌ وقلوبها ميتةٌ أو على الأقلّ نائمة لا تستفيق!

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading