بقلم ملاك درويش

الرّؤية الغرائبيّة في رواية “الخيانة الكاملة” للرّوائيّة “لينا هويان الحسن”..
إنّها المرّة الأولى الّتي أقرأ فيها كتابًا، وتطول مفاعيل سحره في قلمي.. فتجدني في غير مرّة أكتب قراءة وأمحوها، معلنةً عن رؤية أمضى في عوالم الوجود اللّامرئيّة، حيث تنبعث حيوات تحوكها أنامل روائيّة تبرع في سبر أغوار الذّات الإنسانيّة باختلاف أوجهها، وتنوّع بيئاتها ومراميها في ظلّ ما تعاينه الشّخصيّات من صراعات حتميّة لا مفرّ من تبعاتها.
نعم، يا عزيزي القارئ، إنّها رواية “خيانة كاملة” للرّوائيّة المبدعة “لينا هويان الحسن”.
وعقب رحلتي الغرائبيّة بين صفحات الرّواية، أحبّبت أن أشارككم أبرز المحطّات الّتي استوقفتني، وحفرت عميقًا في رؤيتي السّرديّة والإنسانيّة على حدّ سواء.
أوّلًا: لكلّ قراءة عتبةٌ ينطلق النّاقد منها متأثّرًا بعوامل عديدة تستميل شغفه أو تحرّك فضوله المعرفيّ لنصّ دون سواه، ولعلّ ما دفعني للبحث عن الكتاب -لهذه الرّوائيّة بالذّات- الشّغف الّذي غذّت به ذائقتي الأدبيّة، لما تنشره من مقولات باذخة فكريًّا تنمّ عن ذهنيّة مثقّفة، وما تحمله في نمط حياتها وشكلها من رائحة الزّمن الجميل الّذي يأسر شغافيَ بلا منازع.
ثانيًا: رواية “الخيانة الكاملة” تنبئ من عنوانها عن موضوع يلامس الوجدان الإنسانيّ، وذلك عندما تستحيلُ المحبّة ضربًا من الجنون يكسّر قيود المجتمع، ويعزف عن الأعراف السّائدة، فتغدو الخيانة مسوّغة، بل وأسطورةً تخلّدها القلوب العاشقة بسحرها الّذي يعبث بقدسيّة الأمكنة وخصوصيّتها.
ثالثًا: كشَفَ العنوان الفرعيّ عن أنّها سيرة “نسليهان” بنت الباشا العثمانيّ، وإذ بنا نبرمُ أنّها سيرة ذاتيّة تأريخيّة، تزيل السّتار عن خبايا الحياة الأرستقراطيّة في عهد السّلاطين، وتجعلنا على احتكاك مباشر مع أنماط الحياة آنذاك، بدءًا بتجارة الرّقيق، مرورًا بالبذخ والتّرف، وصولًا إلى ما أنتجه الخواء الفكريّ عند بعضٍ من الشّخصيّات من جهة، وما أشعلته نيران الانتقام والأنا المتضخّمة في ذات البطلة من جهة أخرى.
فنقع على حياةٍ ملأى بالقمار والمراهنات والسّحر تارةً، ومتخمة بتبعات الصّراع بين الخير والشّرّ طورًا.
رابعًا: “نسليهان” تجاوزت كونها شخصيّة تأريخيّة جمعت الجمال والثّقافة والحبّ في الجانب الأكبر من ذاتها، والتمرّد والإلحاد والنّزعة الشّريرة في الجانب الآخر المكبّل بسطوة الواقع الّذي يشي بكثيرٍ من مظاهر الاستعباد الجسديّ والمعنويّ، إلى تبلورها في صورة امرأة أسطورة أبت إلّا أن تعيد غشاء البكارة لمكانها وأمتعتها وأنوثتها الّتي هتكت على أيدي المجتمع المنهزم إزاء القوّة الخفيّة الّتي تخلّد الحكايا على مرّ الأزمنة.
فقد جاء في نهاية الرّواية: “اختفت نسليهان بنت الباشا، تركت شبحها يذرع القصر في كلّ اتّجاه، يلامس كلّ حجارة دمشق، بوّابات بيوتها، نوافذها.. وكلّما عبرت المدينة ريح عاتية قالوا: الشّبح نفخها..”
نعم، فالأنثى الّتي أغوت المكان بسحرها، كتبت له ولها الحياة الأبديّة، مسطّرة روايتها الّتي لم تغفل فيها حكايا الجواري اللّواتي صنعن في غير زمنٍ تأريخها النّفسيّ والأسطوريّ..
لذا، أقول للروائيّة الّتي برعت في تدوين هذه الأسطورة التّأريخيّة: لقد أغويت بسحر فضائك السّرديّ سلالة النّقد منذ فجر الأدب..

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version