- حوار مع الأستاذة نقية هاني - ديسمبر 26, 2025
- انوار الثقافة - ديسمبر 26, 2025
- احبك - ديسمبر 26, 2025
بقلم الهام.حمزة
—“—تمهيد: سؤال لا ينتهي
قابلتُ في حياتي الكثير من صُنّاع المجد… أشخاص حققوا إنجازات عظيمة، وصعدوا درجات النجاح حتى لامست أسماؤهم السماء.لكنني حين نظرت في أعينهم، رأيت ضياعًا خفيًا… ضياعًا عن هويتهم الحقيقية.شغلني هذا المشهد كثيرًا.كيف يمكن لإنسان أن يطارد النجاح بكل طاقته، دون أن يتوقف لحظة ليسأل نفسه: “من أنا؟”رأيت أن كثيرين بحثوا عن إنجازاتهم قبل أن يعرفوا ذواتهم، فساروا في طرق جميلة المظهر، لكنها فارغة المعنى.من منا اليوم لا يسأل نفسه أحيانًا: “هل أنا حقًا ناجح؟ هل هذا ما أريد؟”إننا نسأل أنفسنا دائمًا، لكننا في كثير من الأحيان لا نجد إجابة واضحة،إما لأننا نخشى الحقيقة، أو لأننا ببساطة لم نمنح أنفسنا وقتًا كافيًا للاستماع إلى صوتها.هذا الكتاب ليس لي وحدي، بل هو مرآة قد ترى فيها أنت أيضًا ملامحك، وأسئلتك، وربما إجابتك التي تبحث عنها منذ زمن.—المقدمة> أجمل ما يمكن للإنسان أن يعيشه هو لحظة يكتب فيها دون أن يضع حارسًا على أفكاره.تلك اللحظة التي تسقط فيها الأقنعة، ويختفي فيها الخوف من حكم الآخرين، ويصبح القلم مرآة صافية لما يدور في الداخل.لسنوات، كنت أظن أن الحرية أن أقول ما أريد للناس، لكنني اكتشفت أن الحرية الحقيقية أن أقول ما أريد لنفسي أولًا… دون أن أختبئ منها.كنت أصدق الجميع، إلا أنني لم أجرؤ على أن أصدقني.واليوم… أكتب هذه الصفحات لا لأخبرك عن حياتي فقط، بل لأصطحبك معي في رحلة نحو أعمق مكان في الإنسان: قلبه الصادق.—الفصل الأول: طفولتي… بداية الحكايةلم تكن طفولتي مجرد سنوات من اللعب والبراءة، كانت مصنعًا صامتًا للأفكار التي ستحملني طوال حياتي.كنت أرى العالم من زاوية مختلفة، وكأنني أقف على طرف الطريق أراقب الجميع وهم يسيرون في الاتجاه نفسه، بينما أنا… أغرّد خارج السرب.كانت في داخلي أفكار كثيرة، بعضها أكبر من سني، وأحيانًا أكبر من قدرتي على الفهم.كنت أشعر أنني أريد أن أكتبها، أن أحررها من رأسي، لكنني كنت أرتجف من الفكرة نفسها.كنت أخشى أن تُقرأ كلماتي، أن تُفهم على غير ما أردت، أو أن تُحاكمني العيون قبل أن تسمعني القلوب.هناك أجزاء مني كنت أتحاشى لمسها، لأنها كانت تؤلم، أو ربما لأنها كانت تلمس الحقيقة أكثر مما أحتمل.كنت أهرب منها بالسكوت، وأخبئها في داخلي كما يُخبّئ الطفل لعبته المفضلة كي لا يأخذها أحد.لكن… كل ذلك الخوف لم يُطفئ ذلك الصوت العميق في داخلي، الصوت الذي كان يهمس لي دائمًا: “كن صادقًا مع نفسك، مهما كلف الأمر.”—الفصل الثاني: ارتداء القناع أمام العالمكبرت قليلًا، وتعلمت أن الحياة ليست فقط ما نشعر به في الداخل، بل أيضًا ما نُظهره للخارج.كنتُ أرتدي قناعًا أمام العالم، ليس لأنه يعجبني، بل لأنه يحفظ لي مكاني بينهم.كنتُ أخفي خلف ابتسامةٍ محسوبة أسئلةً كثيرة لا أجرؤ على طرحها علنًا.تلك الأسئلة لم تكن غريبة أو فلسفية معقدة، بل كانت أسئلة الطفولة التي نحملها جميعًا في داخلنا:لماذا نحن هنا؟ لماذا نحب بعض الأشخاص ونخاف من آخرين؟ لماذا يقول الكبار شيئًا ويفعلون عكسه؟أسئلة وُلدت معنا، لكن طريقة تربيتنا وبيوتنا رسمت لنا إجابات جاهزة، وكأنها قواعد ثابتة لا يجوز كسرها.كنت أستمع لتلك الإجابات وأهز رأسي موافقة، لكن قلبي كان يهمس لي: “هل هذه حقًا الحقيقة؟ أم هي مجرد ما اعتادوا أن يقولوه لنا؟”ومع مرور الوقت، صرت أجيد ارتداء القناع، أُبقي أفكاري في الداخل وأُظهر للعالم ما يريد أن يراه.لكن ذلك القناع… كان يضيق عليّ ببطء، حتى بدأت أختنق من صمتي.—الفصل الثالث: الحوار الصامت مع نفسيكنتُ أعيش في عالمين لا يلتقيان.عالمٌ خارجي أُجامل فيه الجميع، أوافق، أبتسم، وأتظاهر بأنني وجدتُ كل الإجابات.وعالمٌ داخلي، صامت، لكنّه مليء بالأسئلة التي لا تنام.كنتُ أبحث عن إجابات تُرضيهم… لأن إرضاء الآخرين كان يعني السلام المؤقت.لكنني في الوقت نفسه، كنت أبحث عن إجابات تُرضيني أنا… لأن راحتي مع نفسي كانت أثقل من أي تصفيق.أحيانًا كنت أجد الإجابة التي ترضي الطرفين، وأفرح كمن عثر على كنز نادر.لكن في أحيان أخرى، كان الطريق ينقسم إلى اثنين: طريق يرضيهم ويخدعني، وطريق يرضيني ويغضبهم.وعندها… كنت أختار الصمت.الصمت كان سلاحي الهادئ، وحجرتي الآمنة التي أعود إليها حين لا أجد جسرًا بين عالميْ الخارج والداخل.لكن حتى الصمت، لم يكن يوقف ذلك الحوار الدائم مع نفسي… حوار لم ينتهِ يومًا، وربما لن ينتهي أبدًا.—الفصل الرابع: ترويض أفكاريربما كنت أخجل أن أبدو في عيون الآخرين وكأنني أفهم أكثر مما ينبغي… أو أتفلسف فيما لا يعنيهم.كنت أخشى أن يضعوني في خانة “المختلف” أو “المعقد”، وكأن التفكير بعمق جريمة صامتة.لذلك، بدأت أروّض أفكاري.أقصّ أطرافها الحادة، وأخفي زواياها المربكة، وأعيد صياغتها لتبدو أبسط، أقل غرابة، وأكثر قابلية للهضم.كنت أعلّمها أن تمشي بهدوء بين الناس، دون أن ترفع رأسها كثيرًا، ودون أن تصطدم بجدران أفكارهم.لكنني كنت أعرف في داخلي أن الأفكار، مثل الخيول البرية، لا يمكن ترويضها للأبد.قد تُسايرك فترة، لكنها ستظل تحلم بالركض في المدى المفتوح.ومهما حاولتُ حبسها داخل سياج العادات والتقاليد، كانت دائمًا تجد ثغرة صغيرة، تنفذ منها إلى عقلي فجأة، فتوقظني من وهم السيطرة.حينها أدركت… أنني لا أريد قتل أفكاري، بل أريد أن أتعلم كيف أعيش معها، دون أن أخسر نفسي أو أستفز العالم من حولي.—الفصل الخامس: الهمس… الصدق مع النفسالصدق مع النفس… لم يكن بالنسبة لي قرارًا حاسمًا أو ثورة مفاجئة، بل كان همسًا خافتًا يزورني بين الحين والآخر.كان يطل عليّ كزائر عابر، يجلس قليلًا في زاوية عقلي، ثم يغادر قبل أن أعتاد وجوده.لم أكن أراه هدفًا نهائيًا، بل مرحلة مرورية في طريقي لفهم حياتي.أشبه بجسر قصير أعبره بين ضفّتين: ضفة الرضا بما يقوله الناس، وضفة البحث عن حقيقتي الخاصة.كنت أكتشف أن الصدق مع النفس لا يعني دائمًا راحة البال، بل أحيانًا يفتح أبوابًا لأسئلة لم أكن أريد أن أطرحها.كان يجعلني أرى أشياء حاولت تجاهلها طويلًا، ويكشف لي أن بعض الإجابات التي قبلتها في الماضي لم تكن لي أصلًا، بل وُضعت في يدي وأنا صغير، فظننتها ملكي.لكن رغم ارتباكي أمامه، كنت أعرف أن هذا الهمس يحمل شيئًا من الخلاص…ربما لم أكن مستعدًا بعد لأتبعه إلى نهايته، لكنني كنت أشعر أنه الطريق الذي لا بد أن أمشيه يومًا.—الفصل السادس: من الهمس إلى الصوت الواضحشيئًا فشيئًا، تحوّل ذلك الهمس الخافت في داخلي إلى صوت واضح، جريء، لا يمكن تجاهله.لم يعد يكتفي بالتلميح، بل صار يصرخ في وجهي:”هذه أنتِ… هذه شخصيتك، فاعتزي بها.”أدركت فجأة أنني لا أعرف الكذب، ولا أجيده حتى لو حاولت.أحب الوضوح، وأتنفسه كما أتنفس الهواء.صرت صادقة مع نفسي قبل أن أكون صادقة مع الآخرين، وصرت أرفض أن أضيع في هذا العالم فقط لأحصل على صداقات من طبقة راقية أو لأرضي مقاييس مصطنعة.فهمت أن قيمة الإنسان ليست في مستوى الأصدقاء الذين يرافقونه، بل في انسجامه مع نفسه، وفي أن يعيش حياته بلا قناع.الوضوح جعلني أخسر بعض العلاقات، لكنه في الوقت نفسه منحني راحة أعمق من أي مجاملة أو تزييف.وللمرة الأولى… شعرت أنني أعيش صوتي الداخلي، لا صدى أصوات الآخرين.—الفصل السابع: حرية بثمنالصدق مع نفسي منحني حرية لم أعرفها من قبل.حرية أن أقول ما أشعر به دون أن أزن كلماتي بميزان رضا الآخرين.حرية أن أعيش يومي بلا قناع، وبلا حاجة لتمثيل دور لا يشبهني.لكن هذه الحرية جاءت بثمن.ثمنها أن بعض الوجوه التي كنت أظنها قريبة بدأت تبتعد.ثمنها أنني وجدت نفسي أحيانًا وحيدة في طرق كنت أتمناهم أن يسيروا فيها معي.في البداية، كان الأمر يؤلمني.كنت أسأل نفسي: هل يستحق الأمر أن أخسرهم لأجل أن أكون أنا؟لكن مع الوقت، أدركت أن الوحدة أهون بكثير من العيش وسط أشخاص لا يرون حقيقتي، أو يرفضونها.الحرية لا تُقاس بعدد من حولك، بل بمدى قدرتك على أن تكون صادقًا مع نفسك وأنت بينهم.واليوم… أعلم أنني، مهما كان الثمن، لن أبيع هذه الحرية أبدًا.—الفصل الثامن: السلام مع الذاتهدفي من كتابة هذه الصفحات لم يكن أن أستعرض حياتي أو أبحث عن إعجاب أحد، بل أن أترك أثرًا صغيرًا في قلب كل من يقرأها.أريدك أن تعرف أن صدقك مع نفسك هو أعظم إنجاز يمكن أن تصل إليه، حتى لو لم تحقق كل ما كنت تحلم به.الإنجازات جميلة، لكنها لا تعني شيئًا إذا كنت تعيشها وأنت غريب عن نفسك.أما الأمان الداخلي… فهو الأساس الذي تقوم عليه نفسية سوية، قلب مطمئن، وعقل هادئ.ربما لن ننجز كل ما خططنا له، وربما نخسر بعض الفرص أو الأشخاص في الطريق، لكننا إذا وصلنا إلى نقطة نصافح فيها حقيقتنا ونرتاح معها… فقد فزنا بأغلى ما يمكن أن نحصل عليه.—الخاتمة: أن أكون أنافي نهاية هذه الصفحات، أدركت أن رحلتي لم تكن بحثًا عن الكمال، ولا سباقًا لأكون الأولى في كل شيء.كانت رحلة إلى الداخل… إلى مكان هادئ لكنه أعمق من أي نجاح خارجي.ربما لم أحقق كل أحلامي بعد، وربما ما زال الطريق أمامي طويلًا،لكنني وصلت إلى محطة أستطيع أن أقف فيها وأقول بثقة: “أنا أعرف من أنا، وأعيش بصدق مع نفسي.”رأيت في حياتي أشخاصًا امتلكوا كل شيء إلا أنفسهم،وفهمت أن المجد الحقيقي يبدأ حين نتصالح مع ذواتنا قبل أن نصعد أي منصة.الصدق مع النفس منحني أمانًا داخليًا لا تقدر عليه أي شهادة أو منصب.وهذا الأمان هو ما سيحملني في كل خطوة قادمة، حتى لو تغيرت الطرق وتبدلت الوجوه.ربما ستغلق أنت هذا الكتاب، لكنني أتمنى أن تفتح بعده كتابك الخاص… كتاب حياتك،وأن تكتب فيه سطورك بصدق، مهما كانت بسيطة،لأن أعظم نجاح يمكن أن تصل إليه… هو أن تعيش وأنت أنت.-الهام حمزة
