- سحر الحضور - مارس 18, 2024
- بين شقاءٍ وحب - يناير 30, 2024
- صفقة القرن العشرين - يناير 23, 2024
بقلم يوسف طراد
أزليّة الصراع بين الخير والشّر في رواية “رجل ضدّ الله” لسمير زكي
تنظر المجتمعات إلى الحياة الرّوحيّة، نظرات تختلف باختلاف صلتهم بها، من هنا كان منع دخول رواية “رجل ضدّ الله” للكاتب السينمائي المصري سمير زكي، إلى عدد من الدول العربية، ربّما بسبب اسمها.
اختار الراوي بُعدًا تاريخيًا للرواية بإشكاليات عديدة، في جغرافية محصورة بمدينة الأقصر المصريّة، حيث تدور أحداثها في نهاية القرن الثامن عشر.
الأقصر، تلك المدينة التي تضّم حسب بعض المراجع، ثلث آثار العالم، قد عُرفت عبر العصور المختلفة، بالعديد من الاسماء، فهي في البداية كانت تسمى مدينة “وايس”، ثم “طيبة” في عهد الرومان، وأطلق عليها كذلك اسم مدينة “المئة باب”، وهذه التّسمية وردت في إلياذة الشاعر الإغريقي هوميروس، وسُميّت أيضًا “مدينة الشمس”، و”مدينة النور”، و”مدينة الصولجان”، إلى أن أطلق عليها العرب اسم الأقصر، نسبة إلى كلمة قصور، لما تضمه من قصور عديدة عائدة للفراعنة.
الملاحظ أنّ جميع هذه التسميات، قد وردت في السّرد مباشرة أو مواربة، وكأنّ الكاتب، قد أدخل هذه الجغرافية العابقة بالتاريخ والأسرار، ضمن غلاف الكتاب. فقد مزج ببراعةٍ الواقع مع الخيال، بمشهدية سحرية، تجعل القارىء مفتونًا بالصور الخيالية، كانّه أمام فيلم سينمائي متقن الإخراج.
هل اختيار الراوي لاسم “يحي” بطلًا للرواية، دلالة على استمرار حياة الشيطان إلى ما لا نهاية؟ فقد تعمّد “يحي “معموديّة الخضوع للشيطان، وكتب بالدّم صك بنوّته لسيد الجحيم، وقد ظهر هذا في استمرارية الفساد العميم من خلال ولادة ابنه الذّي وُلد بعد زواج خال من حلول قدسيّة روح الرّب.
الصّراع الأزلي، بين حاجة الجسد المتمثّل بالكفر واللّذة، وبين غذاء الروح، موجود بإسهاب في الرواية. فالسّرد مشبع بهذيان غير موصوف، حيث أظهر الجحيم نعيمًا لعابدي الشيطان، فالأخير قد خصّهم بمكان خيالي، بعد أن زهق أرواحهم، مكان يجد فيه عابد إبليس كل ما يشتهيه الجسد من الشر المطلق.
وَصفت الرواية في بداياتها آلام هذا الدهر الجسدية والنفسية على كثرتها، وأظهرت العذاب على هذه الفانية، خاصّة للذين نكروا وجود الرب، واستجاروا بالشيطان والتجأوا إليه. وقد ظهر خلال أحداث الرواية تفوّق عابدي إبليس الظّرفيّ على المؤمنين، وظهرت قدرتهم على الاستغناء عن التأملات الروحية، لأنّ سيد الجحيم الذي شرّع الشذوذ قد وجد لهم بديلًا عن غذاء الروح بلذّة الجسد.
اشكالية البعد الفلسفي للرواية، تتمحور في النّظرة إلى رحمة الرّب على عبيده، فهو ينقذ أرواح المؤمنين به ويهمل أرواحَ آخرين، فقد أهمل حياة “يحي” بطل الرواية الذي نكره مؤخرًا عندما تعرّض للعذاب، ربّما ليظهر حكمته. فسيرة حياة رسول الأمم “شاوول الطرطوسي” أحد قادة الجيل المسيحي الأول، تتناقض كليًا مع حياة بطل القصّة، فشاوول كان من أسياد اليهود، ويؤمن بالرب حسب الشريعة، لكنّه كان يضطهد المسيحيين الأوائل، ولأنّ إيمانه القويم تخطى نصوص الشريعة- لأنه ما من شريعة تقيّد الروح – ظهر له السيد المسيح على طريق دمشق، وجعله رسولًا للأمم. بينما “يحي”، كان أحد العبيد الذين جارت عليه الحياة، وظلمه سيده بشدّة. فقد أنكر ربّه، وظهر له الشيطان خلال محنته وجعله من أتباعه. “يحي” لم يكن يعلم أنّ الإنسان الّذي يتألّم يتصل بالرّب من خلال عذابه ويتّحد به ويشترك معه. كما ولم يكن يؤمن بأنّ العذاب هو وسيلة ملموسة يتّخذها الرب ليأتي إليه ويظهر له محبّته التي لا تُدرك. ولأنه لم يستطع الصبر إلى النهاية اتّحد بالشيطان الذي جعله الأخير ابنًا له.
هل أنّ الرّب، ينظر لحياة الإنسان على الأرض، بمنظار، لا يلحظ متطلبات المخلوق البشري الأرضية؟
كان من الأجدى بالكاتب الاختصار في وصف الجحيم، فقد كان وصفه خياليًا، هذا الوصف بالرغم من جماليته حوى الكثير من الأمور التي تجذب ضعيفي العقول، وصفٌ لا يحتوي على الاحترام بل على المتعة، كما إنه خال من التفهّم الذي يكمّل هذا الاحترام، وغابت عنه المغفرة. بينما لو أخذ النعيم هذا الاهتمام من الوصف، ربّما كان قد ظهر الفرح من بين السطور.
ويبقى الغموض سيد الموقف، بالنسبة للقارئ الذي يقف على حدٍّ فاصل، بين الإيمان والإلحاد، فالقوّة الربانيّة التي أعادت الحياة إلى الكاهن بعد فصل هامته عن جسمه، لم تستطع طرد الرّوح الشّريرة من إبن “يحي”، بالرغم من المعموديّة التي خضع لها، على يد الكاهن، بعد عودته إلى الحياة. وكانت ولادته استمراراً لحكم الشيطان على الأرض، وهذا يعني أزليّة الصراع بين الخير والشّر ” تركوا الغرفة والطفل ينام بمفرده، أو هكذا يبدو… وفجأة لمعت عيناه واصطبغت بذلك اللون الأحمر الشّيطاني، ذلك الاحمرار الرهيب، رافعًا يديه إلى الأعالي مخاطبًا شخصًا ما غير مرئيّ يلاعبه ويلاطفه”.
لن تسمح دول تعتمد روحيّة الكتب السماوية دستورًا لها، بإدخال هذا الكتاب إلى مكتباتها، ربّما بسبب التناقض في تفسير الجحيم بين الرواية وهذه الكتب، أو بسبب الخلاف على مفهوم الجحيم، حيث الثواب بالنعَم في الهاوية للذين تنعّموا بمملكة الشيطان على الأرض، كما جاء في الرواية، خلافًا لنظرة الدين إلى هذا الأمر.
