بقلم شربل شربل
” خلطة” كركلّا و ” ديوان الجسد”
لم تكن مشاهدتي مسرحيّة ” فينيقيا” على مسرح كركلّا، ليلة أمس، مقصودةً عشيّة الاحتفال باليوم العالميّ للرقص، ولكن، حصل خير. فقد استمتعنا بهذه “الخلطة” الشرقيّة- الغربيّة التي قدّمها المبدع المزمن عبد الحليم كركلّا، والتي تميّزت بالأداء الرائع للراقصين الذين رسموا بالليونة والقوّة والبراعة أروع اللوحات، وسط مهرجان أزياء وألوان رفيع المستوى. وقد أرخى حضور النجمين هدى حدّاد وجوزيف عازار بظلاله على الغناء، وأضفى على العمل نكهة تراثيّة رجّحت كفّة التقليد على كفّة التجديد.
وقد سبق لي أن كتبت، في ١٧ أيلول ٢٠٢٢، لدى استقبال فرقة ميّاس مقالة بعنوان” كرمالك يا لبنان”، بدأتها بقولي:
كصفحة مشرقة في كتاب أسود،
كضوء في آخر نفق مظلم،
كشعلة ضاءت فوق ركام وطن،
سطعت فرقة ميّاس، وخطفت الأضواء، وأبهرت العالم…
ولأنّ في مثل هذا اليوم، ٢٩ نيسان، يحتفل العالم باليوم العالميّ للرقص، فإنّني أعيد نشر مقتطفاتٍ من مقالة لي في امتداح هذا الفنّ نشرتها في كتابي” الموائد المفتوحة” وعنونتها ” ديوان الجسد”:
{ … الرقصُ ديوان الجسد، وكلُّ رقصة جيّدة قصيدةٌ موقّعة، لا تقدّر بثمن. وإذا كان الملوك والأمراء قد دفعوا مبالغَ طائلةً للشعراء ثمنًا لقصائدهم، فلعلّ أثمن ما دفع مقابل رقصة، هو رأس يوحنّا المعمدان.
والرقص، كما الموسيقى والرسم والنحت… لغة عالميّة مارستها أكثريّة الشعوب، على مرّ الأزمنة، بدائيّةً كانت أو غير بدائيّة.
وهو، كالشعر، أنواعٌ ودرجات:
منه المقدّس الذي يمارس في المعابد وحلقات الذكر، ورقصة داود أمام تابوت العهد. ومنه الذي يلقى قبولًا اجتماعيًّا وتشجيعًا بصورة عامّة.
ومنه الخليع المتعهّر.
ومنه المستكره، كرقص الطير ” مذبوحًا من الألم”…
وهو يكون عالميًّا بقدر ما يكون محلّيًّا:
ف”السمبا” امتياز برازيليّ.
و” الفلمنكو” امتياز أسبانيّ.
و” الباليه” امتياز أوروبيّ.
و” رقص الصالونات” ذو منشإٍ أرجنتينيّ وامتياز أوروبيّ.
أمّا ” الدبكة” و ” لعبة السيف والترس” فامتياز لبنانيّ.
والدبكة ” من الفنّ العالي بمكان”، على حدّ قول أمين الريحاني.
إنّها رقصة جماعيّة تمثّل التكاتفَ بين الناس إناثًا ورجالًا، ووقوفَهم صفًّا واحدًا في الإقدام والمواجهة، كما تمثّل امتلاك الأرض والسيادة عليها، وشموخ الرأس المليء بالعنفوان…
أمّا لعبة السيف والترس، فاسمها يدلّ عليها ويغني عن التعريف؛ إنّها رقصة فروسيّةٌ تضاهي، إذا أتقنها اللاعبون، قصائد الحماسةِ ذاتَ النفَس الملحميّ…
ولمّا كانت الحياة ” صحراء قاحلةً واحتُها الفنّ”، فإنّني أدعوكم إلى دخول الواحة الآتية علّكم تجدون فيها نداوةً وظلًّا و…
أبدعت نحتك
أبدعت نحْتَك للقاماتِ والخُصُرِ
فصغتهنّ فتونًا في بني البشرِ
زالت مواهبُ مَن لم يُغرِها نغمٌ
بهزّ خصرٍ حلا أو قامةٍ تُغري
الرقص عزفٌ على ناياتِ قامتنا
به نجسّد ما في الخلق من سحر
الرقصُ قبضٌ على الأنغام سائلةً
في لفتة الزَندِ أو أُرجوحةِ الشَّعْرِ
الرقصُ شعرٌ غوى القاماتِ مطلعُه
حرُّ التفلّتِ من وزنٍ ومن بحرِ
والرقصُ قُلْهُ عصًا في كفّ ساحرةٍ
راحت تفتّحُ زهرَ الجمر في السمر
فألهبت جذوة الأشواق مضرمةً
نار الهوى في غصون البانةِ النُضْرِ
وعطّرتْ جنّةَ السمّار ناشرةً
عرْفَ الجنان وسرَّ الآهِ في الوترِ }
٢٩ نيسان ٢٠٢٣
شربل شربل
- أطول جملة في “البؤساء” للكاتب ڤيكتور هيجو - ديسمبر 23, 2025
- حوار مع الشاعرة رانيا مرعي - ديسمبر 23, 2025
- اللغة بين قلق الأكاديميين و هشاشة المستهلكين - ديسمبر 14, 2025
