بقلم رنا سمير علم

عندما تُغني الجدران
رواية للكاتبة اللبنانية منى دوغان جمال الدين
صدرت عن دار اسكرايب عام ٢٠٢٢
١٤٥ صفحة

جوازُ سفرٍ إلى عالم الكاتبة والفنانة التي تحملُ قضايا فلسطين في قلبها وتسردُها لنا عبر قلمها.
قصةٌ خيالية من رحمِ واقع عذاب أطفال فلسطين وأهلها المشرّدين في كل أصقاع العالم.

روايةٌ من ٨ أجزاء، تبدأ بإنقاذ طفلٍ على شاطىءٍ في ايطاليا حيث يُمضي داني الرسّام الفرنسي مع زوجته فيرونيكا النّحاتة الايطالية فرصةً، احتفالًا بعيد زواجهما.
تتداخلُ الثقافاتُ والحضارة الأوروبية والعربية عبر رحلةِ حياةٍ يقودها بطلنا “جمال عمر الحسيني”، والذي نجا بأعجوبةٍ من قارب الموتِ بعد رحلةٍ من رفح إلى ليبيا ومن ثم إلى شواطىء إيطاليا.
يُقدّمُ الزوجان المساعدةَ كاملةً دون نقصانٍ ويحضنا هذا الطفل، ويعلّمانه حتى يكبر ويصبح رسّاماً. داني وفيرونيكا لم يعرفا نعمة الإنجاب فكان جمال الطفل المدلّل وقدّما له ما استطاعا من رغد العيش الكريم والمحبة، ولكن هل ينسى جمال أهله وإخوته ؟ طبعاً لا.

عاش جمال في كنفِ عائلةٍ أحبّته، والده فلسطيني ووالدته يهودية مصرية. جمعَ من الثقافة وكبُرَ وهو يبحثُ عن أهله الذين لم ينساهم ولو مرّ الزمن، لذلك أصرّ على والديه بالتبني على القيام برحلةِ بحثٍ عنهم وهو في سنّ العشرين، سيرًا على الأقدام ووحيدًا.

بدأَ من روما إلى فلورانس وتوسكانة ثم الى سلوفينيا وكرواتيا وصربيا وبلغاريا فتركيا وسوريا والأردن وأخيرًا إلى فلسطين وغزة.

في عالمٍ، الحكمُ فيه للأطماعِ واللاعدالة، حاولَ العودةَ عبر الحنين إلى غزة حيث كان منزلهم.

من خلال الرواية، زرنا مناطقَ كثيرة وتمتّعنا بجمالِ الطبيعة الخلاب، عبر وصفٍ آسرٍ يأخذنا إلى مشاهدَ رائعةٍ من صنع الخالق.
تعرّفنا إلى تقنياتِ الرسم وكيفية وضع اللمساتِ الجميلةِ عبر الخطوط والألوان.

تتبادرُ إلى أذهاننا صورٌ ولوحات ومجسّمات فنية، زرناها عبر قلمِ الكاتبة المرهفة الإحساس، وكأنّنا نراها لوحاتٍ فنيّةً، تُبهِر العينَ وتُلامسُ الرّوحَ.

لا يسقطُ جدارُ الزمنِ الا حين يعودُ جمال إلى غزّة، مسقطِ رأسه حيث عاشَ الحب والحنان بالرغم من الفقر :”يكفي أن أكون إنساناً ” ص.١٠٢

لوّنتْ الكاتبةُ جمالَ القدس بريشةٍ صادقةٍ وبيت لحم والناصرة بألوانِ الحزنِ والخيبة فانكسرَ حلمُ جمال في غزة، وخابَ أمله بإيجادِ عائلته لكنّه قاومَ عبر الرسم.

لم تنسَ الكاتبةُ أن تُذكّرنا بالمأساةِ الأصل عام ١٩٤٨ مرورًا بسنة الانكسار ١٩٦٧ ثم مجزرة صبرا وشاتيلا عام ١٩٨٢ فجمعتْ مواضيعَ تهمّ الشتاتَ الفلسطيني وكل مدافعٍ عن عروبة وأصلِ فلسطين وعذابِ أهلها وانتشارهم وتشرّدهم في شتّى أصقاع الأرض.
كتبتْ بقلمٍ جميلٍ معاناةَ شعبٍ بأسره في طريقِ اللاعودة، وبقلمٍ صادق ومشاعر إنسانية عن ضياعِ الهوية ونكباتِ فلسطين وآخرها غزة، عبر قصةِ جمال الذي، وبالرغم من رفاهية حياته، والعاطفة التي أغدقها عليه أهله بالتبني، في إيطاليا، لم ينسَ مَنْ وضعتهُ من رحمها إلى الحياةِ ومن عانى من أجلِ بناء أسرة.

حين تقرأُ تنتابكَ مشاعرَ الحزنِ لمصير جمال الناجي من قوارب الموت، ومعه الشعوب المنكسرة الأجنحة، عبر أطماع وأشرار الدول التي تتحكّمُ بمصائر الشعوب.

تمتّعتُ بجمالِ العباراتِ وسهولة القراءة وبساطةِ الأسلوب حيث وجدتُ المشاعرَ عبر الورقِ إنسانيّةً بحتة، وُضعتْ عبر قالبٍ سرديٍّ جميلٍ لا تشوبهُ شائبة.

كم سحرني جمال فلسطين وفرنسا وإيطاليا واللوحات الفنية عبر ريشة سحرية فنية فزرتُ المتاحفَ وتمتّعتُ بالألوانِ الجميلة.

قصةُ جمال ما زالتْ مستمرة وكأنَّ الكاتبة تكتبُ اليوم لا في ٢٠٢٠ معاناةَ أهلِ غزة مع التشريدِ والقتل والدمار…

يبقى الأملُ وتغني الجدرانُ وسوف تُغني المزيدَ ولو بقي فلسطيني واحد، في أرضه فسوف يقاومُ ويجعلُ الجدرانَ تُغني في كلّ الأحوال.

أكتُبي يا منى الحزنَ جمالاً، والألم رونقًا أدبيّاً، والتهجير نثرًا جرئياً، والأدب قصة واقعية.
لا تحرمينا من هذا الخيال ومن روعة حروفك المتناثرةِ عبر أديمِ الورق لتبقى قضايا فلسطين الأهم في تاريخِ العرب الحافل بالمآسي.

دامَ ألقُ حروفكِ ووسع خيالك ووافر محبتك لأرضٍ نشتاقُ أن نراها بأم العيون.

ربّما اللقاء باتَ قريباً لنرى جمالَ فلسطين ونزورَ القدسَ لتغني جدرانها ونُسقطَ جدارَ الفصلِ من القلوبِ والنفوس.

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version