بقلم الدكتور الياس مقبل

في رواية “طيور أيلول”، للأديبة إميلي نصرالله، حقائب تُغلق، وحقائب تُفتَح. كلها حقائب سفر، لأنّ الرواية هي حكاية الهجرة اللبنانية، وتحديدا الهجرة من القرية اللبنانية، قبل كل شيء. تستعرض فيها الكاتبة مختلف أشكال الهجرة وأبعادها وتلاوينها. فنرافق صبايا القرية وشبابها الذين تتجاذبهم أخبار الهجرة وتزعزع واقعهم. والكل، دون استثناء، يحمل حقيبته يوما ما ويذهب. كلهم، كطيور شهر أيلول، يهاجرون في مواسم الهجرة. فنرى السفر الى بلاد الغربة مسألة تدعو الإنسان الى التفكّر فيها؛ هل الهجرة هي كهجرة الطيور، أمرٌ طبيعي يتكرر في نفس الوقت تقريبا، فتنتظره الناس ومحبّو الصيد؟ أم هو شيء غير طبيعي يخالف نزعة الإنسان الى الاستقرار؟ مهما يكن من أمر، نشعر أن لكل واحد من الشخصيات في الرواية حقيبة تنتظره، أو حقيبة تخلى عنها لأكثر من سبب وسبب. أكثر الشخصيات نساء، أو صبايا، كعادة إميلي نصرالله. حقيبة الواحدة منهن ملأى بالأمل، والأخرى بالمغامرة أو التهور، والأخرى بالهروب، والأخرى بالهيام والعشق واللحاق بحبيب فارق ولم يعد. بعضهن أيضا، طالتهن المآسي، فذهبن إما قتلا، وإما موتا، وإما هربا، وبقيت حقائبهنّ في مكانها، علبًا من قماش سوف تبلى يوما ما ويتأكلها العث وتسكنها العناكب.
عندما تفتح إحدى الشخصيات شنطتها، يشعر القارئ بأمرين على الأقل: أن الحقيبة التي تفتح فاها تشبه تمساحا يهمّ بابتلاع ما يقترب منه. ومن ناحية أخرى، أنها خزانة مطيعة، تستقبل خيرات وكنوز الناس وتساعدهم على حملها من البلاد وإليها…
طيور أيلول، هم طيور الوطن، أي أبناؤه وبناته الذين شدتهم الهجرة إما الى جنانها الرحبة وإما الى وديانها السحيقة، فطاروا. بعضهم حطّ، واستقرّ، حيث ذهب والبعض الآخر قيل أنه عبر المحيطات على كتف جناح، ولم يعد يُسمع عنهم أي خبر.

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version