بقلم يوسف طراد
رحلة إياب إلى الوطن في لوحة “فخر لبنان” لحبيب ياغي
في لوحة “فخر لبنان” لحبيب ياغي، تبدّت فلسفة التحدّي بين الوطن والغربة، الّتي تفجّرت من أعماق الرؤية، وعبرت اليأس والمرارة إلى الخلود.
حارت الفرشاة بين المقيم والمغترب. هاتان الصورتان المحبّبتان للناظر: “العَلَم، وأمين معلوف”، جمعهما ياغي في لوحة واحدة. وكان استغراق في الألوان الّتي تمدّدت وأصبحت أكثر اتّساعاً من مساحة الّلوحة.
ثمّ ماذا عن الأرزة، الّتي أصبحت لصيقة بأمين معلوف؟ إنّ هذه الّلوحة ربما تكون محببة للناظر إليها، لكنّها تعني الكثير للذي يعشق الوطن والوطنيّة، خصوصاً عندما جعل الرّسام صورة معلوف كالأرزة رمزاً للبنان.
هنا يتبدّى لنا الفرق بين الصورتين الملتصقتين الّلتين ضمتهما الّلوحة الواحدة. العَلَم المرفرف في فضاء الرسم، ناسجاً من دموع لبنان انفعالاً داخلياً، ممزوجاً بحلم الرؤية الانسانيّة الموحّدة بين أبناء الوطن الواحد؛ ووجه أمين معلوف، متعالياً عن صغائر الحكّام، مدركاً بحسّه الرهيف ولغة فكره الوسيع، مسؤوليّاته المستقبليّة.
إنّ الجمال في هذه الّلوحة، هو رحلة إياب إلى الوطن، تلهو بالناظر إليها، وتتوسد ذراع الفخر. ويبقى انفتاح الفكر الّلبناني الأصيل عابراً للفلسفة والقارات، كما عبر اسلافنا دهاليز الجهل، منكرين جحافل الأوهام والخرافة؛ وقد صدّروا الأبجديّة الفينيقيّة إلى المسكونة.
بيد أنّ الابداع على كافة مستوياته وتجسداته، قد بان على محيّا أمين معلوف، وكأنّ فرشاة ياغي رسمت لنا واقعاً محسوساً، ووشمت جمالية إيقاع الإنسانيّة في عصر العلم والتقنية والعقل.
حبيب ياغي، المتخصص بالفن التشكيلي، رسم الرجل الّذي يرمز إلى الخصب الثقافي والفعالية الفكرية؛ كما رسم أرض الوطن المظلّلة بالأرزة وسط العلم، والفضاء المكتنز بالزرقة. إنّه فنّان يطرح أشياء العالم كلها بفرح وتعشّق عميق للوطنيّة.
برسمه هذا كرّس ياغي أمين معلوف رمزاً لديمومة الوطن، بعبقريته في العطاء والخلق الأدبي. لذلك جعل الناظر إلى لوحة “فخر لبنان” يبتسم أمامها بجلل، وكأنّ العالم إيقاع إبداعي واستطالة عفوية ملوّنة لجمال الوطن ورجاحة العقل.
الأشياء تتبدّل، ولكن وراء سيرورتها الإبداعيّة، تكمن منابع الموهبة؛ فحبيب ياغي لم يرسم لوحة تُجسّد الّلحظة، فالجمال حلّ في وجدانه من قبل التاريخ. وهوذا ينقلنا من العلاقة التاريخيّة بين لبنان وفرنسا، إلى كلّ امتداد لصورة وجمالية لبنان المثاليّة، من عهد قدموس إلى حاضرنا.
إنّ هذه الّلوحة، هي المثال الجماليّ الوطنيّ الّذي حلّ في مجال الرؤية. ففي موضوعات ياغي ولوحاته كلّها، تجريدات ومغامرات ذهنيّة تشبه مبالغة افلاطونيّة؛ وفي عملية انبثاق لوحة “فخر لبنان”، تشكّل إبداعيّ على القماش، ورمز ساحر، اعطاهما الفنّان مجالاً حيوياً حقيقيّاً، ونقلهما من حيث هما في ذاتهما فكرة جامدة إلى آفاق الفن التشكيلي.
- أطول جملة في “البؤساء” للكاتب ڤيكتور هيجو - ديسمبر 23, 2025
- حوار مع الشاعرة رانيا مرعي - ديسمبر 23, 2025
- اللغة بين قلق الأكاديميين و هشاشة المستهلكين - ديسمبر 14, 2025
