Latest posts by Roger Saad (see all)

إيمانًا منه بأن الكلمة تبني جسورًا من التواصل وتستحق دائمًا أن يُسلّط عليها الضوء، أجرى نادي الكتاب اللبناني حوارًا مع الكاتبة والروائية الجزائرية عائشة بنور، أعدّته عضو النادي رحاب هاني خطّار.

رحاب هاني: عائشة بنور… كاتبة وصحفية ومدققة لغوية. أيّ من هذه الأدوار تجدين نفسك فيه أكثر؟

عائشة بنور: كل هذه الأدوار تتكامل في مساري، لكنني أجد نفسي أكثر في الكتابة، لأنني أتنفس بالكلمات التي أبعثرها فوق الورق، وهي المساحة التي أتنفس فيها وأعبّر فيها عن ذاتي وذوات الآخرين. وكل الأدوار الأخرى تصب في نهر الكتابة الذي لا يتوقف.

رحاب هاني: حين تكتبين عن المرأة… أتجسّدين ذاكرة أم تصفين جرحًا؟

عائشة بنور: حين أكتب عن المرأة، أكتبها كما لو كنت أكتب جزءًا من روحي، إذ أستحضر الذاكرة والجرح معًا. أنا لا أختار بينهما، فكلاهما يحملان من القوة والصمود ما يمكن أن يستمر في تصوير حكاياتها، وما يمكن للجرح أن يواصل نبضه حتى في الصمت. من خلال إبداعاتي التي جسّدت الذاكرة والجرح معًا، أكون قد ساهمت في إلقاء الضوء بعمق على معاناة المرأة التي أجابت عن تساؤلات الموؤودة الأولى، معبّرة عن تاريخ من الألم وتاريخ من المعاناة وتاريخ من القوة والمجد والكفاح لاحتوائها على واقع المجتمع والواقع الإنساني. وهذا ما ركزت عليه في رواياتي، ونقلت ذلك من مناطق عديدة خاصة في فلسطين وأفريقيا. وهنا أشير إلى رواياتي الخمس (السوط والصدى، اعترافات امرأة، سقوط فارس الأحلام، نساء في الجحيم، والزنجيّة)، والتي كانت صرخة في وجه العراء الإنساني.

رحاب هاني: الثورة الجزائرية كانت شرارة، ذاكرة وجرحًا في آن واحد. كيف انعكست هذه الشرارة على جُمَلِك وأبطالك، على ملامحهم وصوتهم على الورق؟

عائشة بنور: الثورة الجزائرية بالنسبة لي ليست مجرد حدث تاريخي فحسب، بل نبض يسري في عروقي وفي الذاكرة. هي شرارة أشعلت نصوصي، وجعلت أبطالي مثقلين بتاريخهم المجيد يمشون على الورق بثبات وزهو، يحملون رائحة البارود وزغاريد الفرح. أصواتهم مغموسة بوجع الأرض وفرح الانتصار والكرامة. الثورة تسكن تفاصيل وملامح وجوههم التي أرسمها بالكلمات، بكل فخر واعتزاز.

رحاب هاني: في زمن تغيّرت فيه أوجه المعارك، هل تؤمنين أن الأدب ما زال قادرًا على إشعال تغيير، ولو في قلب قارئ واحد؟

عائشة بنور: نعم، أؤمن بذلك وبكل يقين. صحيح أن الأدب لا يستطيع إيقاف حرب أو إسقاط نظام، ولكنه قادر على أن يزرع الوعي ويوقظ الإحساس النائم ولو في قلب قارئ واحد. قارئ واحد له صوت، والصوت يتحول إلى صدى من داخل القلب والعقل، ثم شرارة تشتعل في الظلام.

رحاب هاني: “الكلمة أشبه بروح”… هل برأيك الروح هي التي تختار الكلمة، أم الكلمة هي التي تمنح الروح شكلها؟

عائشة بنور: سؤال مفتوح على أكثر من تأويل، وبالتالي أرى أن الكلمة ليست مجرد وعاء فارغ. الكلمة هي التي توقظ الأرواح النائمة وتدفعها إلى الاستيقاظ وتمنحها شكلها.

رحاب هاني: بعد كل هذه السنوات من حمل الوجع الإنساني، كيف تحمي عائشة بنور قلبها من الانكسار؟

عائشة بنور: من الصعب جدًا أن نحمي قلوبنا من الانكسار في زمن الانكسار والخذلان. بل أحاول أن أعلّمه كيف ينهض كل مرّة من هذا الوجع الإنساني الذي أعيشه وأحوّله إلى كلمات أرسمها في كتاباتي الإبداعية، التي تمنحني القدرة على أن أواصل الإصغاء لآلام الآخرين دون أن أفقد إيماني بالحياة.

رحاب هاني: لمن تقرئين اليوم؟ ومن يملأ لغتك بالدهشة كلما أمسكتِ بالكتاب؟

عائشة بنور : أقرأ اليوم لأصوات متعددة؛ لبعض الكتّاب الجزائريين الذين يعيدون رسم ملامح ذاكرتنا، ولأدباء عرب وأجانب يمنحونني لحظات للتأمل. وكل قلم يعرف كيف يخبئ خلف السطور حياة كاملة لذوات يستنطقها بحب. لكن من يملأ لغتي بالدهشة هم أولئك الذين يجعلونني أنسى أنني أقرأ وأنني موجودة في هذا المكان. أولئك الذين يجعلونني أمشي في نصوصهم وأفتش في مدلول كلماتهم، أمشي كما لو كنت أمشي في حياة أخرى وعوالم أخرى، مثل: غسان كنفاني، رضوى عاشور، شاكر الأنباري….

رحاب هاني: ولو لم تولدي في الجزائر… كيف تتخيّلين أن قلمك كان سيخطّ مساره؟

عائشة بنور: لو لم أولد في الجزائر، لكتبت حكايات أخرى، لكنني على يقين أن روحي كانت ستبحث عن وطن تكتبه. الجزائر جعلتني أكتب بذاكرة الأرض ورائحة المطر، ومنحت قلمي الحياة. لو لم أولد في الجزائر، لابتكرت جزائر أخرى على الورق، لأن الكتابة عندي تبدأ بوطن وهو الجزائر، وتنتهي به.

رحاب هاني: كعضو فاعل في نادي الكتاب اللبناني، كيف ترين الرسالة الاجتماعية والثقافية التي يحملها النادي، وكيف تتجاوبين معها من خلال كتاباتك؟

عائشة بنور: أولًا، نادي الكتاب اللبناني برعاية الحبيبة د. سلام سليم سعد وكل أعضائه الأعزاء منحني مساحة محبة أثناء إصدار روايتي “الزنجيّة” ومناقشتها في ندوة خاصة. نادي الكتاب اللبناني ليس مجرد فضاء لتبادل الرؤى، بل هو مساحة حوار حيّ تُبنى فيها جسور محبة بين القرّاء والكتّاب. رسالته الاجتماعية تكمن في ترسيخ ثقافة القراءة كقيمة يومية، ورسالة ثقافية في فتح النوافذ على تجارب إنسانية وفكرية متنوعة. أجد نفسي متجاوبة مع هذه الرسالة من خلال كتاباتي التي تحاول أن تكون مرآة للإنسان، وأن تطرح أسئلة حول الذاكرة، الهوية، والحرية. في كل نص أكتبه، أحاول أن أفتح للقارئ نافذة يرى منها ذاته والعالم، كما يفتح النادي أمامنا أبوابًا على ثقافات وأصوات مختلفة. شكرًا لنادي الكتاب اللبناني على هذه الالتفاتة الطيبة. النادي بالنسبة لي وطن صغير للكلمات، ومن خلال نصوصي أحاول أن أمدّ خيطًا بين ما نناقشه فيه وما نعيشه خارجه، ليظل الأدب حاضرًا في الحياة، لا على الرفوف فقط.

By Roger Saad

ناشط بيئي

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version