Latest posts by Dr. Salam Slim Saad (see all)

بقلم يوسف طراد

كان يزور القرية، عندما لم يكن في المنازل سوى اللِحاف، وسيلة للتدفئة والوقاية من برد الشتاء، أو قبل أحد أعراس الميسورين.

بما أن سيارة التاكسي الوحيدة في القرية، تعود من طرابلس بعد الظّهر، وجب علينا أن نستقبل الحاج مصطفى المنجّد قبيل المساء، فيكون العشاء جاهزًا فاخرًا، بالإضافة إلى سجّادةٍ صغيرة مزركشة، تخبّئها الوالدة ولا تظهر إلّا في مثل هذا اليوم لتأدية صلاته.

عدَّته بسيطة بمفعول كبير:

-(ميبرة) تشكّ فيها الإبر والمسلات، تصلح لمخدّة جميلة في لعبة (بيت بيوت).

-(كباكيب) من الخيوط، لعبت بها الهرَّة مرَّة على حين غفلة وأصبحت (حربوكة شربوكة) فأخذت جهد وحنكة المنجّد لإعادتها إلى صلاحها.

– بكرات صغيرة من الخشب تُغلّفها خيوط حريرية متينة، كنا ننتظر أن تفرغ لنصنع منها لعب سيارات بدائية بعد تثبيتها على علب السردين الفارغة.

-(كبتول) من شمع عسل، قاس كالحجر، بعيد كلّ البعد عن لون العسل بسبب مرور الخيوط المزمن عبر تشقّقاته.

– قضيبٌ من الحديد، بقطر 6 ملم، مقوس قليلًا مع قبضةٍ تغلّف عكفة آخرهد فتحسبه سيفًا لألعاب الشيش عند الاستعداد.

– مقصٌّ كبير يظهر شيئ من الصدأ على جسمه من الخارج كأطلال “برقة ثهمد”، لكنّ حدّيه من الداخل يلمعان كنصلي مقصلة الثورة الفرنسية.

– مازورة مرقّمة طويلة، حزورة الصغار في أعدادٍ متسلسلة للسنتمر بالمقارنة مع قياسات الإنش المدونة عليها.

-(كشتبان) كأنه طربوش أقزام في أرض العمالقة.

يبدأ العمل بنفش القطن أو الصّوف بيديه بمهارة وسرعة كبيرة، ثم يأتي دور الندف بالقضيب معالجًا كومة القطن بالضرب العنيف السريع. عند احتكاك القضيب بالهواء، يُصدر صوتًا بين الهمس والصّفير، صوت رفيع لا يكاد يُسمع حتى يختفي عند كلّ ضربةٍ، وكأنّ الجلّاد يصرخ عن المحكوم طأنّه ينفّذ الأوامر غصبًا عنه.

قلَّدنا طريقة الندف بقضيب التوت، لكنّنا نحن الأطفال، لم نستطع تقليد جلسة الحاج مصطفى. (قعدته) أثناء عملية الندف مميّزة وصعبة، كحركة (يمينًا إلى الوراء در) أصعب حركة في درس النظام المرصوص التي تلقّيناها في الجيش. يقرفص متكئًا على مؤخّرته ثانيًا إحدى ساقيه ممدّدًا الساق الأخرى على امتدادها للتوازن وهذه الجلسة توفّر مرونة الحركة وتعتبر مثالًا للإرادة الصّلبة والصبر والثبات (حدا بيقلك قعدة منجّد.)

تجليات الإبداع في إضافة شيء من روحه على المنتج الذي يصنعه تُترجم أشكالًا هندسية رائعة على اللحف البرّاقة الوجه. وسرعة التّفصيل، ودرز وتعبئة الفرش بالصوف، وتقطيبها، وبرم أطرافها تعطي للفرشة شكلها النهائي.

إنها حرفة الزمن الجميل، وهي إلى انقراض.

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version