بقلم رنا سمير علم
بين السجن والحريّة
قالَ لي العصفورُ : أوقفوني على بابِ القفصِ ومنعنوني من الدخولِ إليه!
أجبتُهُ :ها أنتَ حرٌّ طليق !
أجابَ : ما أجملَ أن تكونَ لك الحريّة، حريّة الجسد وحريّة التفكير. حريّةُ الجسدِ يستطيعون مصادرتها أمّا حريّة الفكرِ فلا مجال، ولو كنتَ في قفصٍ محكمِ الإغلاق، لا قوة في الأرضِ يمكن أن تصادرها أو تقمعها. الجسدُ وللأسف يعاقبُ، يُسجَن، مع أنّ الفرق كبيرٌ بين انحباسِ الجسدِ وانحباس الروح. كم من الناسِ أجسادهم حرّة، وسجناء الحزب أو الدين أو العقيدة أو العادات والتقاليد البالية.
أجبتُ : ونحن أسرى الشمسِ والقمر !
قال : الشّمسُ تتسلّلُ إلى حياتكم دون استئذان، دونها لا بشر ولا حجر.
قلتُ : والقمر ؟
أضافَ : لولا القمر لما كان عشق ولا سهر!
سألته: وماذا عن الحرية؟
ً قالَ : لولا الحرية لما كانت الدول ولا كانت المساواة، ولا كانَ الأملُ يتسلّلُ من نوافذِ الانتظارِ الى شرفاتِ العالم. خبزُ الحياةِ البشريّة هو الحرية.
كم أردتُ أن أخلعَ عني هذا الثوب، ثوب الفكر لترحلَ روحي إلى الفضاءِ الرحبِ حيث الحرية ترفرفُ وتتسامى، حيث إيقاع القوانين السماويّة لا الأرضيّة، التي تتسمّرُ في إطلاق اللعنةِ على الجسدِ بسجنه، وعلى الروح
ِ بقمعها. سأخرجُ من سجني قريبًا وأنسى السنينَ الطويلة، وأعود كي أغرّد، وأطلق الصوتَ لتحريرِ كلّ الأسرى في كل أصقاع الأرض.
قلتُ : لكنهم يلعنون الصوت الصارخ في البريّة!
قالَ لي : لا تصمُتي ! ما دام لديك حريّة الفكر، فبامكانكِ مواجهة العالم حتى ولو على خشبة الصليب أو في سجنٍ أو في قفصِ الاتهام.
قلتُ لنفسي سأعطي الحريةَ لشِعري، لحروفي. بكلماتي سوف أطلقُ العنانَ لقلمِ الفكرِ الحرّ، كي أحرّرَ الهرّة لتطيرَ مع الريح، فيكون لها ربيعٌ ولو وضعوها في سجنٍ، تربّتُ على كتفي وتقولُ : أدخلي معي سجنَ الجسدِ فالروحّ حرّةٌ، حرّة !
في وطني، يقتلون الحريةَ والرغيفَ! في صومعةٍ او قفصٍ يغزلُ السجناءُ الأحرارُ خيوطَ شمسِ حريّتهم بأيديهم، وأنا أطيرُ بجناحٍ مكسورٍ على أرصفةِ الحريةِ على قارعةِ طريقي، أنتظرُ أن يطبعَ فجرُ الأحرارِ قبلةً على نعشي وأسيرُ منتصبَة القامةِ وأمشي مع الريحِ حين تُقرَع الطبولُ من أجلِ عودةِ الوطنِ إلى أحضانِ الحريةِ الأساسيّة من ماءٍ ورغيفٍ وكهرباء ودواء !
الحريةُ مائي وهوائي فكيفَ لي أن أعيشَ من دون الحرية ؟
رنا سمير علم
٣/١٢/٢٠٢٢
- أطول جملة في “البؤساء” للكاتب ڤيكتور هيجو - ديسمبر 23, 2025
- حوار مع الشاعرة رانيا مرعي - ديسمبر 23, 2025
- اللغة بين قلق الأكاديميين و هشاشة المستهلكين - ديسمبر 14, 2025
