بقلم نقية هاني البتديني

لو كنت أعرف أنّ الألم سيكون رفيقي ، ما كنت تركت قاربي ونزلت أعبر البحر سيرا مؤمنة بقدَرٍ لا يتركني أغرق في الأعماق ، وهو يعرف جيداً انني لا أتقن الإبحار ، مدركة بأنني غارقة بك وفي ظلّ عينيك ، تائهة مع أحلامي ، أعلّل النّفس بأنك سرّ سعادتي ، والزمن الأجمل في عمري .
لو كنت أعرف أنّ النّأي سيعيدني إلى شاطئ أحزاني من جديد ، ما كنت حدّثت النّوارس عن حكاياتها وحواراتها وطيرانها وجنونها .. وحلمها المستحيل .
وما كنت تسلّلتُ هاربةً نحو برِّ آمن انتظر على أبواب العمر ، أتلو على مسامعه قصة ماضٍ جميلٍ وذكرى .. أنتزعتها عنوةّ من أعماقي ..

لو كنت أعرف أن أوراقي ستبكيني يوماً ما كنت كتبتُ حرفاً ، رغم أنّي حين أتوقّفُ عن الكتابة يلومني القلم لأن مداده شرايينك ولغته وصلك .. أكيدة أنا أنّ حروفي تنبض بك صدقاً ، وبين النبض والروح ، يتأرجح الحرف والقلب ، تتجوّل الكلمات في رحاب مساحة ما بيننا ..

لو كنت أعرف أنّك ستلقي بكتاباتي في مهب الريح ، ما كنت عطرتها بشذا الروح ، وما وضعتها سطوري في عينيك ، وأنت تعلم أنها ليست مجرّد خواطر وإنما حياة بكاملها ، عشتها حرفاً حرفاً ودمعةً دمعة حملها نبضي حلماً ، واكتويت بنارها ألماً ..

لو كنت أعرف أنك المحتل بكلّ ترحيبٍ لنور النجوم وضوء القمر في سمائي ما كنتُ ابتعدتُ ، ولا سمحتُ لحروفي أن تغيبَ وأنا مدركةٌ لحقيقةٍ واحدةٍ مثبتة في شرع الروح أنه حين تغيب حروفي .. فأنت من يغيب .
أشياء كثيرة تحيطنا ، تتداول اسمك بكثرة تقاطعت ، وألتفتُ في كل الإتجاهات على معابر لقائنا ومفارق إحساسنا ، لكنّني رغم ذلك.. لا أجدك . وبعد لحظاتٍ من الصّمت المطبق تهمس لي حواسّي بأنها تختصر وجودي فيك فأبتسم . . مدركة أنا أنّك البوصلة والعنوان ، وعنواني زهر الياسمين .

نعم يا سيّد الحلم الكبير مهما باعدت بيننا المسافة
وجرّح حفافي دروبنا النّأي . تبقى المسافة الحقيقيّة هي مسافة الإحساس عندنا ، ويبقى صوت القلب عابراً للحدود يناجي الرّوح ، وهو أعلى وأقوى وأعذب من كلّ صوت..
يكفي يا أنت.. أنّ السّماء لا تسمع الا أصوات الذين يتكلمون بقلوبهم .
لو كنت أعرف ..

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version