Latest posts by Roger Saad (see all)

بقلم رنا علم

قرأتُ الرواية بقلبي، بنبضاته الجنوبيّة، بعيونٍ أدمعتْ، ووجه تعرّى أمام رهبة الفقد والموت فالحزن.

قرأتُ بلونِ خضرة مروج التبغ، وذهب سنابل القمح، ذقتُ المرارة مع أهل جبل عامل، بكيتُ بكائهم، تألّمتُ لآلامهم، وفرحتُ لأفراحهم.

أخذني الكاتبُ إلى ذاتي، إلى أرض أجدادي التي حملتْ لبنان في قلبها.
هناك على تخوم فلسطين، سرتُ على الطرقات الترابيّة، تعرّفتُ وتذكّرتُ عادات وتقاليد أهلنا، في الـ ٨٥٢ قرية منسيّة على مساحة ثلاثة آلاف كيلومتر مربّع في عمق الجنوب.

لم يترك كاتبنا موضوعاً إلّا وكتبَ عنه، أرّخَ ووثّق لحياة العامليّين، وعاداتهم وتقاليدهم، ورسم بحبرٍ أدبيّ وقالبٍ روائيّ سرديّ مُتقَن، ألوان الفرح والحزن.
سردَ بأسلوبٍ سهلٍ تفاصيل حياة الأقدمين على مرّ السنين لثلاثة أجيال في قرية من قرانا.
تألّم أهلنا، ناضلوا، قاوموا، لكنّهم انتصروا على الألمِ ببارقة أملٍ لم تفارق عيونهم ولا قلوبهم.

بعد كلّ انتكاسة كانوا يقومون، فينتصرون بعد انكسارات. تضحيات من أجل البقاء في أرضٍ، دافعوا عنها بأجسادهم، ثمناً للبقاء.

عبر محمد بطل الرواية، سردّ لنا الكاتب حكاية أجيالٍ تعاقبت، توالى عليها الفقر والحرمان، بين الحياة والموت والاستشهاد والمقاومة للفقر والظلم.

شاركنا الكاتب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية بقالبٍ روائيّ مُبدع، كيف لا وهو أمضى سنوات خمسة في كتابة هذه الرواية.

ضاعت “كريمة ” بجسدٍ طريّ وبوعودٍ في بيروت. مصيرها المجهول لم يغب عن بال شقيقها، ولا أمّها التي ماتت وهي تفتّش عن أبناء تشرّدوا، بين طرقات لبنان وفلسطين، بحثاً عن لقمة عيشٍ كريمة.
أجسادٌ عاشت في القرية، لكنّها كانت تطمح لحياةٍ أفضل في المدينة، حيث عانت الأمرّين فيها، في عالمٍ غريب، لا يُشبه حيواتهم في قراهم.

هذه الرواية هي بمثابة مرجع لكلّ مَن يهمّه التراث العامِلي وللحياة الشعبيّة الجنوبية بشكل خاص، على مدى عقود خلتْ.

كان وما زال مصير أبناء جبل عامل الموت المُحتّم والفقر والحرمان.

لا أنسى اللّمسة الشعريّة والأدب الراقي والحوارات الجميلة والعميقة والنِكات الجميلة التي جمّلت فصول الرواية.

تصلح الرواية لعملٍ فنيّ لغناها بالصور والوثائق، والمواضيع المنوّعة، لعملِ وثائقي أو فيلم أو مسرحيّة، تنتقل إلى كل مدن لبنان وقراه، للتعريف بتراث الجنوب اللبناني، في حقبةٍ مهمّة سياسية ووطنية، واقتصادية واجتماعية وثقافية، في بلاد جبل عامل.

هنيئاً لنا ولكلّ مَن يحبّ التراث بهذا العمل الروائيّ الذي يستحقّ كل تقدير على الجهود المبذولة من أجل توثيق التراث الحضاري والثقافي.

مبارك هذا العمل وإلى المزيد من الإنجازات والإبداعات.

رنا علم
٩ تموز ٢٠٢٥
——

*كتابة شخصيّة من الذكاء العاطفي خالية من الذكاء الاصطناعي.

By Roger Saad

ناشط بيئي

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version