- سحر الحضور - مارس 18, 2024
- بين شقاءٍ وحب - يناير 30, 2024
- صفقة القرن العشرين - يناير 23, 2024
بقلم يوسف طراد
لغة الجماعة
أصبح للفايسبوك لغته، لغة مشتركة عالميّة (لايك، كومنت… إلخ) سمحت بظهور قصة من جهودٍ عديدة، بفكرة مشروع غسّان حاصباني، وصياغة متقنة من ميشال أبي راشد، جعلتنا في حيرة وسؤال هل أن كوكبة من الكتًّاب الافتراضيين تستطيع أن تؤلّف رواية؟ لذلك يسكن الشغف القارئ عند النظر إلى الغلاف ليعرف سرَّ القصة في رواية “شو القصة؟” الصادرة عن دار سائر المشرق.
نقش الكاتب الفلسفيّ ميشال أبو راشد قطع (البازل) التي ألّفت هذه اللوحة القصصية البديعة، بأزاميل ناشطين على الفايسبوك. قصّة ضَمَّنَها نفحة فلسفية منعشة كنسيمٍ شرقيٍّ على بيادر الحصاد.
خلال القراءة تطالعك مقاطع كـ(اكتفت بالتنهّد عميقًا علَّها تلج مغاور السكون القابعة في عتمة جوف الذّات، حيث نخبّئ ما نريد نسيانه)، فتشعر بفلسفةٍ محبّبة للنفس، عهدناها في كتابات أبي راشد صائغ المشروع، فيكتنفك غموض الإيضاح، ليس بسبب عدم الإدراك أو فهم كلام مفهوم، إنما من مصادر فلسفيّة مخفيّة بين السطور، تنتظر عيونًا وعقولًا؛ أهي وليدة فكر الكاتب أم ترجمة أفكار الكتَّاب المشتركين التي صاغها الصائغ ميشال جواهرَ زينت أحداثًا، ونفحت روحًا في حب عذريِّ وأزهرت مشاعرَ صادقة لا تستكين؟
قصّة جمعت من مقالات عبر (فايسبوك)، جمالها ببساطة سردها المُشبع بالرغبات الجامحة للكتابة وعرض المبادئ المتناقضة، وعرض الذّات عبر الجوالات.
مشروع مكتمل بجهود مؤسّسة ميّ شدياق، ومؤسّسة صوت، وفايسبوكيين كثر، قد ظهر للعلن في إطار رواية بإدارة تقنية من السيدة آية صوفيا خير الله.
أتت فكرة غسّان حاصباني للمشروع، لمعة في ظلام الشّرق ونجح مشروع القصّة، فالكُّتاب من جميع المآكل والمشارب عملوا على رواية وليس على مشروعٍ سياسي، والآن بعد أن أصبح وزيرًا، هل يستطيع أن يُطلق فكرة مشروع وطن أفلاطوني، يشترك فيه القراء والكُّتاب والمفكّرون من غير السّياسيين، ويكون المساهمون فيه من العامة، وتكون المنفعة للمجتمع، ليستحق كما عهدناه سابقًا ألقاب الأعالي والمعالي!!!
كلغة الموسيقى الموحَّدة في جميع أنحاء الكرة الأرضية، تضرب بنشازها حينًا وتُطرِب برقيْها أحيانًا، ويتفجّر صخبها في لغة أجسادٍ مختلطًة مع روح الخمرة، هكذا اللغة الفايسبوكية، نشاز في السباب والتراشق السياسي والاجتماعي الخالي من الرقيّ حينًا؛ وأحيانًا طرب لمنشورات أدبية أو سياسية راقية، يتفجر صخبها في تعليقات وردود، عبر حوار هادف ينتج هداية، كما أنتج هذه السابقة القصصية عبر الأثير التي لم تخدش الفضاء، بل كسرت كبرياء السّراب المزركش بالأوهام.
قصة ستبقى إلى الأزل، نبراسًا للعمل الجماعي المتَّقن، من أجل ارتقاء المجتمع إلى دروب العقل والرعشة المقدّسة النابعة من الحوار والحس الوطني.
رواية، كشفت بصدقٍ هشاشة المجتمع، وضياع جامعاته في المجهول، وانتماء طلّابها لأحزاب وتيارات متصارعة في العلن ومتّفقة في الخفاء، بغفلة عن النسيج الطلّابي الممزّق بفعل قناع التجاذبات السياسة الظاهر الذي يخفي اتّفاقًا، اقتسم بنوده تجّار الدماء كجنود دراكولا.
بالمقارنة مع الثورات الطلّابية في ستينات القرن المنصرم، فقد كانت كلمة الطلّاب في تلك الفترة موحّدة، وثورتهم تخيف جميع الجالسين على كراسي المجد الدنيوي، وتَحَرُّكَهم يولّد ارتجاجات في عروق الاستبداد الإقطاعيّ السياسيّ، والماليّ، وما زال صدى هذه الارتجاجات تصلنا نتفًا إلى هذا الحين، هذه الرواية مثالًا.
“لأنه حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة باِسمي فهناك أكون في وسطهم” (مت: 18-20)، فكيف إذا اجتمعت مجموعة كاملة من أفراد، ومؤسّسات وأحزاب مختلفة، واضعين نصب أعينهم الخير للكلمة، والنشر للثقافة، والكمال للمجتمع والازدهار للوطن، فبمعونة الرب أثمر مشروعهم رواية متقنة عنوانها “شو القصة؟” من نبض لا يهادن الأعماق.
