- حوار مع الأستاذة نقية هاني - ديسمبر 26, 2025
- انوار الثقافة - ديسمبر 26, 2025
- احبك - ديسمبر 26, 2025
بقلم فاروق غانم خداج
كاتب لبناني وباحث في الأدب والفكر الإنساني
لم تكن ليلى ترتدي عباءتها الحمراء كما في الحكايات القديمة، بل سترةً داكنة اللون، وحقيبةً تحمل شاحنًا كهربائيا وهاتفًا ذكيًا لا يغادر كفّها
لم تعبر غابة كثيفة الأشجار كما في القصص، بل تتبعت طريقها إلى منزل جدّتها عبر تطبيق الخرائط في هاتفها، حيث يُستبدل ظلّ الأشجار بإشارات المرور، ورائحة التراب بصوت التنبيهات.
أرسلت إلى جدّتها رسالةً صوتية قصيرة قالت فيها:
“سأصل بعد قليل، الطريق مزدحم بعض الشيء… أرجوك، لا تفتحي الباب لأحد.”
كانت تظن أنّ الزمان قد تغيّر، وأنّ الذئاب لم تعد قادرة على الخداع، لكنها لم تكن تعلم أنّ الذئب الحديث لا يسكن الغابات، بل يتربّص في زوايا الشبكة العنكبوتية.
باسمٍ مستعار، وصورةٍ مسروقة، وصوتٍ مُقنع، دخل إلى حياتها عبر أحد تطبيقات الدردشة، متنكّرًا في هيئة رجلٍ كبير في السن، زاعمًا أنه “العمّ سالم”، جار جدّتها.
بادرت إلى الوثوق به، وأرسلت له عنوان المنزل، وموقعه الإلكتروني، وموعد وصولها.
قال لها في رسالة:
“أنا أمام منزل جدّتك، أيمكنني إيصال شيءٍ لك قبل أن تصلي؟”
وما إن بلغت الزقاق الخلفي، حتى خيّم الصمت على المكان، واختفى كلّ ما كانت تنتظره من دفء الأهل.
كان المنزل مظلمًا، والباب مواربًا، وهاتف جدّتها لا يجيب.
دخلت…
لتجد من ينتظرها، ممسكًا بهاتف الجدة، مطّلعًا على رسائلها، مردّدًا كلماتها التي أرسلتها إليه، وهي تظنّه مأمونًا.
قال وهو يقترب منها بخطى واثقة:
“كم هي نقيّة قلوب الفتيات حين يثقن… وكم هو سهل اصطياد الطيّبين!”
لكن ليلى لم تكن كما ظنّ.
أخرجت هاتفها على الفور، وضغطت على زر الطوارئ الرقمي الذي علّمتها والدتها استخدامه في حالات الخطر.
اهتزّت حقيبتها، وتفعّلت كاميرا خفيّة، التقطت صورًا دقيقة للمُعتدي، وأُرسل الموقع تلقائيًا إلى الجهات المعنية.
ولم تمضِ دقائق، حتى وصلت دورية أمنية، وأُسدل الستار على حيلة الذئب — لا بفأسٍ ولا بحبل، بل بتقنيةٍ ووعيٍ واحتياط.
لقد تقدّم الذئب في الحيلة، وتقدّمت ليلى في الوعي.
لم تعد الفريسة كما في الحكايات القديمة، بل أصبحت رمزًا لجيلٍ يتسلّح بالمعرفة، ويعرف كيف يحمي نفسه من الذئاب المعاصرة.
