Latest posts by Roger Saad (see all)

بقلم فاروق غانم خداج

كاتب لبناني وباحث في الأدب والفكر الإنساني

في زمنٍ تغشاه الفوضى، وتضيع فيه البوصلة بين ركام العبارات، تطلّ ميراي شحادة كنسمةٍ صافية، لا تشبه أحدًا، لكنها تُشبه شيئًا عزيزًا فقدناه؛ تُشبه تلك الطمأنينة التي كانت تملأ أرواحنا حين نقرأ لمي زيادة، وحين كنّا نظنّ أن الكلمة لا تزال تملك القدرة على الإنقاذ.ميراي، المهندسة التي هاجرت من لغة الآلات إلى موسيقى الحروف، لم تهرب من الرياضيات، بل ارتقت منها إلى معادلاتٍ أكثر تعقيدًا: معادلات الروح، والحنين، والهوية. في بيتٍ تنفّس الشعر من أوّله، حيث والدها الشاعر عبد الله شحادة، كان الشعر لا يُدرّس، بل يُعاش، وكانت الكلمة تنمو في التربة، لا في الحبر.لكن ميراي لم تكتفِ بأن تكون ابنة شاعر. لم تتكئ على الإرث، بل أضافت إليه نكهتها الخاصة، كما تُضاف قطرة من العطر النادر إلى ماء الورد. صنعت من ذاتها تجربةً مكتملة، تقف فيها الهندسة بجوار القصيدة، فيتناغم العقل والوجدان دون صراع؛ كلاهما يعمل في صمت، ويبني دون ادّعاء.عندما نشرت ديوانها الأول «يوم قررت أن أطير»، لم تكن تحلّق هربًا من شيء، بل نحو شيء: الحرية. كلّ نصّ فيه كان أشبه بجناحٍ، وكلّ جناحٍ نُسج من ألمٍ راقٍ، ومن ذاكرةٍ لا تشكو، بل تُصغي. أمّا ديوانها الثاني «بوهيمية»، فكان رحلة داخلية، مقسّمة إلى نوافذ ثلاث: “على أوتار الحنين”، “خواطر من دمي”، و”شذرات من الماضي”… وكأنها تقول لنا: لا تبحثوا عن القصيدة خارج القلب.أسّست دار عبد الله شحادة للنشر، لا كعملٍ تجاري، بل كفعل وفاء. بيتٌ للكلمة الصادقة، في زمنٍ هجرت فيه الكلمات بيوتها. هي لا تؤمن بأنّ الكتاب سلعة، بل أثر. ولهذا كانت تختار النشر بحدس الشاعرة، لا بحسابات السوق.ولم تكن عضويتها في اتحاد الكتّاب اللبنانيين مجرّد انتماء إلى مؤسسة، بل صرخة في وجه المظاهر الخاوية. رفعت الصوت هناك، ليس طلبًا للنجومية، بل كي لا تنطفئ شمعة الإبداع في قاعةٍ أرهقتها السياسة والشكليات.

By Roger Saad

ناشط بيئي

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version