- حوار مع الأستاذة نقية هاني - ديسمبر 26, 2025
- انوار الثقافة - ديسمبر 26, 2025
- احبك - ديسمبر 26, 2025
بقلم فاروق غانم خداج
كاتب لبناني وباحث في الأدب و الفكر الانساني
خرجتُ من غرفة التدريس في نهاية يومٍ طويل، وذهنُ المعلّم لا يزال مشغولًا بأسماء الطلاب، بأقلامٍ لم تجف، وبصوت الطباشير وهو يخدش الصمت… لكنني فوجئت على حين غرة بمفاجأةٍ من نوعٍ آخر، تختلف عن مفاجآت الصف وأوراق الامتحان.كانت إشعارات الهاتف تحمل لي طلب صداقة من اسمٍ لم يكن غريبًا على أذني، بل محفور في ذاكرة قارئٍ يحب القصة القصيرة، ويأنس بأدب الخليج: حسن علي البطران.وقفتُ لحظةً أستعيد الذاكرة… ألم أقرأ له منذ وقت ليس ببعيد؟ ألم أجد اسمه ضمن قائمة الكتّاب الذين اجتذبوني إلى عوالم القصة القصيرة جدًا؟وقبل أن أضغط “قبول” أو “تجاهل”، فعلتُ ما يفعله القلب حين يَحار: استخدمت محركاتي التقنية، وبدأت أقرأ. ومنذ اللحظة الأولى، أدركت أنني لا أقرأ فقط… بل أستمع!نعم، قصص حسن البطران لا تُقرأ فحسب، بل تُستمع وتُتذوّق. الصوت فيها حيّ، والنبض حاضر، والاختزال لا يميت المعنى بل يضخ فيه كثافة الحياة والإيحاء.في ثلاث ساعات متواصلة، كنت قد قرأت له عشرات القصص القصيرة جدًا، وكل واحدة منها كانت بمثابة رصاصةٍ من جمال، أو صفعةٍ من دهشة، أو همسةٍ من حنين.في نصوصه، تلمح الحكمة مختبئةً في التفاصيل، والرمز يتخفّى خلف صورة خاطفة، والمفارقة تضحك من خلف الباب. لا عجب أن يكون من روّاد هذا الفن في السعودية والخليج، وقد كرّس له أكثر من خمسة عشر مجموعة قصصية يُشعّ من خلالها الأدب السعودي إلى القرّاء العرب بكل ألوانه وثقله وعمقه.دخلتُ صفحته على فيسبوك، فوجدت المكان وكأنّه مجلسٌ أدبي من زمن الوفاء: مقالات عن كتّاب، تبادلات فكرية راقية، ونبض حيّ لأديبٍ لا يكتب ليُدهش، بل يكتب ليُلامس ويُضيء. فرحتُ، وكتبت له: “مرحبًا بك صديقًا من أرض الحجاز العزيزة.”وأنا من عشّاق تلك الأرض، قرأت لشعرائها بلهفة، وها أنا اليوم أضيف إلى مفكرتي اسمًا جديدًا: القاص حسن علي البطران.وعند عودتي إلى منزلي، وقد بدأ التعب ينسحب على الجسد بعد نهارٍ تعليمي مرهق، وجدت في داخلي رغبةً لا تُقاوم في الكتابة. كنت أبحث عن لحظة راحة، فوجدتها في الأدب. أمسكت قلمي، لأحييه من بعيد، فإذا بالبعد ينقلب قربًا، وإذا بالصوت القادم من الأحساء يجد له صدىً حيًّا في قلبي.لكن ما شدّني أكثر من جمال اللغة والبناء الفني، هو ذلك النفس الإنساني العميق الذي يسري في كل قصة. البطران لا يكتب عبثًا، بل يسعى إلى غرس وعي، وتوسيع أفق، وتوليد أسئلة.قصصه القصيرة جداً ليست ومضات عابرة، بل مفاتيح لعوالم متعددة: تفتح بابًا على الطفولة، وآخر على القيم، وثالثًا على النقد الاجتماعي. إنها قصص مشبعة بالفكر، لكنها خفيفة على الروح، ومشحونة بالرمز دون أن تُثقِل كاهل القارئ.ولأنني معلّم، لا يمكنني أن أمرّ على هذا الأدب دون أن أستشعر مسؤوليته التربوية. فلو أن القصة القصيرة جداً حظيت بحقّها في المناهج، لرأينا أجيالًا تفكر بكثافة، وتكتب بذكاء، وتقرأ بوعي.أدعو من هنا، وبكل محبة ومسؤولية، إلى أن تُدرج أعمال حسن علي البطران، لا في المنهج السعودي فحسب، بل في كل المناهج العربية، لأنها نموذج حيّ للفن الذي يجمع المتعة بالقيمة، والدهشة بالتوجيه.فهي تغرس الأخلاق لا بوعظٍ مباشر، وتفتح العقول لا بالتلقين، بل بإثارة السؤال وبناء الرؤية.ولأنني آمنت بما قرأته، وجدتني أقرّر –عربونَ محبةٍ مجردة– أن أتلو على طلابي بعضًا من قصصه، في حصة القراءة القادمة.سأجعل من نصوصه جسورًا تربط بين الأجيال، لعلّ تلميذاً صغيرًا يجد في قصة خاطفة ضوءًا يهديه إلى القراءة، أو إلى الكتابة، أو إلى ذاته.تحية إلى حسن علي البطران، إلى كل حرف خطّه، وإلى الأدب السعودي الذي يكبر ويتوهّج بأمثاله.وليظل الأدب، كما كان دومًا، الجسر الأجمل بين القلوب، والسبيل الأعمق إلى بناء الإنسان.
