Latest posts by Roger Saad (see all)

أريج من صوتٍ و دفء… حكاية إمرأة تتنفّس صدقها.

حوار أجرته الاستاذة رحاب هاني خطّار مع الإعلامية أريج خطار

رحاب هاني: من يتابعكِ على الشاشة يشعر أن صوتك يأتي من مكانٍ أعمق من المهنة، من أرضٍ، وتربيةٍ، وفكرة. من أين تنطلقين حين تتكلمين؟

أريج خطّار: أحببت هذا السؤال كثيرًا، وأردت أن يكون جوابي بعيدًا عن الإنشاء. عند سماع صوتي يُقال لي إن فيه شيئًا جبليًا، شيئًا صلبًا.أعتقد أن البيئة لها تأثير كبير على الصوت والتصرفات وطريقة تفسير الأمور. الأرض كانت العنصر الأول في تكويني. منذ طفولتي كانت هناك ملاحظة من الأساتذة على قدراتي في الإلقاء، ويشجعونني على دراسة الإعلام.التشجيع كان مرتبطًا بدوري كعرّيف الحفل في المدرسة في أغلب النشاطات المدرسية. هذا الدور أعطى صوتي عمقًا وجمالًا، حتى صار الصوت جزءًا من شخصيتي. لم يكن الصوت مجرد وسيلة، بل أصبح امتدادًا لما أنا عليه، ومرآة لتأثير البيئة والتجارب التي عشتها.من هنا بدأت فكرة التوجيه لتطوير الصوت، لتثبيت خليط من النبرة الطبيعية مع مهارات الإلقاء والتقنيات العملية، بحيث يُعطى هذا الصوت عمقًا منطقيًا وجمالًا ينسجم مع شخصيتي.

رحاب هاني: درستِ العلوم السياسية ثمّ توجّهتِ إلى الإعلام. في هذا التحوّل، هل كنتِ تبحثين عن منبرٍ للفكر أم عن وسيلةٍ للتأثير الإنساني؟

أريج خطّار: دخلت عالم العلوم السياسية بسبب حظّ سيئ. فلم يكن بإمكاني إلا التعلّم في الجامعة اللبنانية. تأخّرت عن امتحانات القبول في كلية الإعلام، فكان الحلّ أن أتوجّه إلى العلوم السياسية مع نية تعديل المسار لاحقًا.لكن، ولحسن الحظ، تبيّن أن هذا الخطأ كان خيرًا بالنسبة إليّ. فقد كانت العلوم السياسية شاملة وغنية، وزوّدتني بثقافة واسعة فتحت أمامي آفاقًا جديدة ونوّرت أفكاري. لكن لاحقًا للأسف، وجدت أن تطبيق هذه الأفكار في لبنان محدود، لكنني استطعت الاستفادة من المعرفة وإضافة لمستي الخاصة، واستثمرت الخبرة التي اكتسبتها لأكمل حلمي.عملت في الصحافة المكتوبة ثم انتقلت إلى العمل في التلفزيون، حيث وجدت فرصة لتوظيف ما تعلّمته عمليًا وإيصال أفكاري بطريقة ملموسة.

رحاب هاني: وُلدتِ في حضن الجبل، وبين صخوره ونبضه تشكّل وعيك الأول. و“بنت الجبل الأشمّ” لقبٌ يرافقك أينما ذهبتِ… ماذا ورثتِ من الجبل وطباع أهله؟

أريج خطّار: هذا اللقب أعتزّ به، وأسعى جاهدةً لرفع رأس أهل الجبل دون استثناء.على الصعيد الشخصي مدّني بصلابة في مواجهة الضغوط والقدرة على الوقوف دون أن ألتوي، وصمودٍ يعكس جوهر شخصيتي.ليس صمودي قسوة كما يراه البعض، بل هو نمط تفكيري وطريقتي في مواجهة الأمور. وعدم تسامحي مع الخطأ والظلم والشر جزء من ذاتي، أعتزّ به وأثبت به على مبادئي.

رحاب هاني: بقيتِ وفيّةً لتلفزيون لبنان. ماذا يعني لكِ هذا الوفاء؟ وهل ترينه في هذا العصر المتقلّب ضعفًا أم قوّة

أريج خطّار: تلفزيون لبنان هو عائلتي وبيتي الثاني.فتح لي الأبواب وعرّفني على الناس، ولا يمكنني أن أنكر فضله عليّ. أتأمل من الإدارة الجديدة تحسين وضعه أكثر، فالحقيقة أنه كان سبب نجاحي وتألقي الإعلامي. كثيرون تخرّجوا من تلفزيون لبنان، منهم من اعترف بفضله، ومنهم من أنكر، لكن يبقى هذا الصرح أساسًا ومرجعًا، فلقد ساهم في تأسيس وإطلاق قنوات أخرى استعانوا بخبراته ومن إعلاميّيه.تلقيت ثلاثة عروض خارجية، رفضتها لأسباب عائلية، كما تلقيت عرضًا محليًا، إلا أنني فضّلت البقاء في تلفزيون لبنان، لأنه لا ينتمي إلى أي جهة، بل يجمع الجميع تحت سقف واحد.هو بالنسبة لي بيتٌ للثقة، إذ يدرك الناس أننا فيه لا نسعى للاستغلال ولا نركض وراء “السكوب” من أجل السباق الإعلامي، بل نضع الإنسان أولًا. وهذا ما يميّزه عن كثير من القنوات الأخرى. سيبقى بيتي الأول وصاحب الفضل الذي لا يمكن أن أنساه.

رحاب هاني: من موقعكِ في التلفزيون الرسمي، كيف تقرأين لبنان اليوم؟

أريج خطّار: نحن كإعلاميين، أينما ذهبنا، يُنتظر منا أن نملك الأجوبة، لكن في الحقيقة، حتى السياسيون أنفسهم لا يعلمون أحيانًا.للأسف، نحن نعيش في زمن الغموض وعدم الاستقرار، ورغم ذلك، يبقى فينا أملٌ دائم بأن نصل إلى برّ الأمان. لبنان اليوم جزء من سياسة خارجية كبرى، خاض الكثير من الصعاب، وأمامه فترة بعد من المخاض لكنه كان ولا يزال قادرًا على النهوض في كل مرة. وبحسب كل المؤشرات، لا بد أن نصل إلى مرحلة جديدة، إلى ولادة جديدة للبنان ولشعبه الذي لا يعرف الاستسلام.

رحاب هاني: الإعلام في جوهره لعبة ضوءٍ وصوت، وأنتِ تمتازين بالهدوء والحضور الراقي. كيف توفّقين بين هذا التوازن؟

أريج خطّار: أعتبرها شهادة عزيزة منك. في الحقيقة، الشاشة أو الضوء أو الكاميرا، إمّا أن تُحبّك أو لا تُحبّك.قد يمتلك الإنسان كل مقوّمات الجمال، ومع ذلك لا تتقبله الكاميرا، وربما يملك القليل منها، لكن عدسة الكاميرا تراه بطريقة مختلفة وتتعلّق به.الأمر ليس في الجمال وحده، بل هو مزيج من أشياء كثيرة: الحضور، الكاريزما، الطلّة، الإلقاء، اللغة، العفوية، والبعد عن التكلّف.الكاميرا لا تحب التكلّف، فهي تلتقط الصدق قبل الصورة، وتقرأ ما في الداخل قبل أن تُظهر ما في الخارج. ولهذا، من يتصنّع أمامها يخسر صدقها، ومن يكون على طبيعته تكسبه.

رحاب هاني: في لحظات الأخبار العاصفة، الحرب، الموت، والأزمات، كيف تحمين نفسكِ وعقلكِ من التعود على القسوة؟ وما الذي “يقرأه” صوتك قبل أن تقرئي الأخبار؟

أريج خطّار: في لحظات الأخبار العاصفة، سواء كانت حروبًا كوارث، أو أي مأساة أخرى، يؤسفني أن أقول إن الإنسان مع الوقت يبدأ بالاعتياد على كل شيء.في بداية مشواري الإعلامي، كنت أتأثر كثيرًا، لكن كثرة الحروب والأحداث التي مرّت علينا جعلتنا إلى حدٍّ ما أكثر قسوة، إلا أن هذه القسوة لم تمسّ إنسانيتي.كثيرًا ما نحاول أن نظهر متماسكين أمام الناس وأمام الكاميرا، لكن الحقيقة أننا نحمل كل ما نراه معنا إلى بيوتنا. نخاف على عائلاتنا، على أحبّتنا، وعلى وطننا.هذا الاعتياد مؤلم، ومحاولة حماية النفس صعبة، لذلك أطلب دائمًا من الله أن يمنحني القوة لأستمرّ.حدثت معي مرتان فقط خلال مسيرتي، تأثّرت فيهما على الهواء مباشرة، ولم أستطع إخفاء مشاعري، لكن في النهاية، نحن بشر، ولسنا آلات.أؤمن أنه آن الأوان أن نغادر أخبار الحروب قليلًا، وأن نمنح مساحةً أكبر للأخبار الجميلة.

رحاب هاني: الأمومة مهنة أخرى لا إجازة فيها… كيف تُصالحين بين أمومتكِ وعملكِ؟

أريج خطّار: الأمومة أجمل ما في الوجود، وأصعب ما فيه في الوقت نفسه. هي مسؤولية كبيرة تُفرض علينا بالكثير من الحب، والتعب، والعطاء.خفّفت من ساعات عملي لأكسب مزيدًا من الوقت، لأدرّس ابنتي، وأهتمّ بطفلي الصغير، وأعيش تفاصيل طفولتهما دون أن تمرّ سريعًا.أنا مع كلّ أمّ تحاول أن توازن بين عملها وبيتها، لكنني أؤمن أن البيت والعائلة يبقيان الأهمّ دائماًهما الأصل

رحاب هاني: في مجتمعٍ يحمّل المرأة عبءَ التبرير الدائم، كيف تستطيعين أن تكوني امرأةً دائمة الحضور؟

أريج خطّار: كنت في الماضي أُبرّر كثيرًا، وأبذل جهدًا مضاعفًا لأُغيّر رأي الآخرين عني، لكن مع مرور الأيام وصلت إلى مرحلة من النضج جعلتني أكتفي بالتبرير أمام نفسي فقط، لا أمام أحد.

أمّا فيما يخصّ المشاركة الاجتماعية أو “الواجبات”، فأعلم أنني لا أستطيع تلبيتها كلّها، رغم رغبتي ودعمي الدائم للآخرين، لأن ظروفي العملية والعائلية لا تسمح دائمًا.

لكنّ الأهمّ بالنسبة إليّ أن أكون مرتاحة مع نفسي، فالله يعلم النيّات، وهذا وحده يكفيني.

رحاب هاني: هل تعتبرين الثقافة شرطًا للمذيع الجيّد أم مجرّد ميزةٍ إضافية؟

أريج خطّار: الثقافة تميّز الإنسان عن الآخر، لكنها شرطٌ أساسيّ في كلّ مجال، في الإعلام كما في غيره.

فالثقافة ليست فقط كمًّا من المعلومات، بل طريقة تفكيرٍ، وتواصلٍ، ونظرةٍ إلى الحياة. هي جهدٌ دائم يُبنى عليه، وليست صفة تُكتسب بين ليلةٍ وضحاها.

أن يكون الإنسان مثقّفًا لا يعني أن يعرف كلّ شيء، بل أن يتعلّم من كلّ شيء، من الصغير قبل الكبير، وأن يملك القدرة على التمييز والفهم.

ليس سهلًا أن يُلقَّب الإنسان بالمثقّف، فالثقافة تحتاج إلى تعبٍ، وقراءةٍ، وتأمّلٍ، ومجهودٍ يوميٍّ في فهم التفاصيل الدقيقة واختلافات المجتمع.

وفي ميدان الإعلام تحديدًا، تبقى الثقافة ضرورة لا ترفًا، لأن الإعلامي الحقيقي هو من ينمّي وعيه باستمرار، ويجعل من معرفته أداةً لبناء الجسور لا لزرع المسافات.

رحاب هاني: وأخيرًا… ما الرسالة التي تودّين توجيهها اليوم إلى المواقع الثقافية في لبنان وإلى نادي الكتاب اللبناني؟

أريج خطّار: نحن، للأسف، نعيش في عصر التفاهة. عصر الصورة بلا مضمون، وعصر “السوشال ميديا” التي دخلت إلى بيوتنا من أوسع الأبواب، حاملةً معها السطحية بدل الفكر، والضجيج بدل المعنى.

صرنا نظنّ أن الطريق إلى النجاح لا يُعبَّد إلا بتقديم بعض التنازلات، لأن الطريق التي فيها مبادئ تكون أصعب، لكن من يصل إليها يصل بكلّ ثبات.

في هذا الزمن، المثقفون يدفعون الثمن الأكبر، لأنهم يعيشون وسط مجتمعٍ يُفرّغ المعنى من مضمونه، ويستبدل الفكر بالمظاهر، والجوهر بالشكل.

لهذا أقول لأبنائي، وللشباب، ولكلّ من أحبّ: تماسكوا بما تملكون، فهذا ما يميّزكم، وهذا هو سلاحكم الحقيقي.

اقرأوا، ناقشوا، تحاوروا، كوّنوا نوادي فكرية ومساحاتٍ حوارية، في الجامعات والمدارس، وحتى على المنصّات الرقمية. ازرعوا أفكارًا جديدة لمجتمعٍ يحتاج أن يتذكّر أن الحياة ليست لعبة، بل مسؤولية ووعيًا.

أمّا “السوشال ميديا”، فهي باقية، لكن الإنسان المجتهد، الصادق مع نفسه، سيصل مهما طال الزمن.

وأخيرًا… شكرًا لنادي الكتاب اللبناني ولكِ صديقتي التي رافقتيني منذ أيام الثانوية حتى اليوم، ما زالت تجمعنا المحبّة، والفكر، والكلمة. فالأشخاص الذين لا يغيّرهم الزمن… هم أثمن ما نملك.

By Roger Saad

ناشط بيئي

اترك ردإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادي الكتاب اللبناني

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version